أما السبب الثاني الذي يثير مخاوف الغرب فهو: التكاثر السكاني للمسلمين، وقد ذكر ريتشارد نكسون: أن أربعة أخماس المواليد في العالم هم من المسلمين، فأربعة من كل خمسة أطفال يولدون هم مسلمون، وبلاد الغرب نفسها مهددة بهجرة خمسين مليون مسلم خلال حوالي ثلاثين أو خمس وثلاثين سنة، هؤلاء من المسلمين العاديين الذي ذهبوا يبحثون عن الثروة، أو فرص العمل، أو عن لقمة العيش.
إسرائيل نفسها تواجه تزايد في أعداد الفلسطينيين، ولذلك تسعى إلى تعقيمهم بقدر المستطاع، وتسعى إلى تهجير أعداد غفيرة من اليهود من روسيا وغيرها، مع أن هذا يزيد في أعبائها الاقتصادية، وهي تواجه أزمة اقتصادية، المهم أنَّ عندها مشكلة التكاثر السكاني التي تواجه به أعداد الفلسطينيين.
إذاً: هاجس الخوف من التزايد العددي الإسلامي، هاجس كبير جداً، وإليك بعض الأدلة السريعة: د/ من مذكرات ريتشارد نكسون: أولاً قال ريتشارد نكسون في مذكراته، وقد خلع قفاز الدبلوماسية والسياسة، وقال بصراحة متناهية: إنه ليس أمامنا بالنسبة للمسلمين إلا إحدى حلين:- الأول: القضاء على الإسلام بقتل جميع المسلمين.
الثاني: العمل على استيعاب المسلمين وتذويبهم.
فمن المفترض عنده أن الإسلام عدو لدود، ولكن المشكل عنده كيف يمكن مواجهة هذا العدو، بهذا الأسلوب أم بذاك، ومع أن هذا الرجل رجح الحل الثاني؛ أنه لا داعي لمواجهة القتل، بل ينبغي أن نعمل على تذويبهم؛ إلا أن الخبراء في السياسة الأمريكية يدركون أي سياسة يميل إليها هذا الرجل على سبيل الحقيقة، لا على سبيل التظاهر.
هـ/ تحذير صحيفة يهودية: مثال آخر: حذرت صحيفة يهودية اسمها جيرو سالم بوست -وهي شهيرة- حذرت زعماء اليهود من اليقظة الإسلامية، ودعت إلى التحرك لمواجهة الخطر الإسلامي، ونشرت مقالاً عنوانه: "الطوق الإسلامي الفولاذي" قالت فيه: إن تأييد الجماهير الذي يحظى به الدعاة الإسلاميون، مرده فساد الأوضاع العامة في الشارع العربي، إن الأصوليين يشكلون طوقاً فولاذياً حول إسرائيل، وهم غير مستعدين حتى للتلفظ بكلمة السلام، فضلاً عن الاعتراف بإسرائيل.
فإسرائيل، جزيرة في بحر إسلامي متنامي، وهذه الدول المحيطة بها مهما كانت هي دول إسلامية، مهما حيل بينها وبين إسلامها، فإذا كانت الدول البعيدة أوروبا وأمريكا وغيرها تخاف من الهجرة الإسلامية، فما بالك بدولة تقيم في قلب البحر الإسلامي، وهي إسرائيل وهي -أيضا- جسم طارئ غريب على المسلمين.
و/ إرسال دماء ملوثة إلى تونس: مثال ثالث: ثارت ضجة إعلامية، ربما قرأها البعض، حول شحنة من الدماء الملوثة التي باعتها فرنسا على تونس، هذا الدم تبين أنه ملوث بماذا؟! بجرثومة الإيدز، وفقدان المناعة، فمات بسبب هذه الشحنة ثلاثة، وحقن بها اثنا عشر شخصاً، منهم مجموعة على شفير الموت، وما زال التحقيق في ذلك كبيراً في تونس , وما زالت هناك حرب إعلامية بينها وبين فرنسا، وربما كان لهذا الحرب أبعاد، فإن من الأبعاد المهمة أن أخا الرئيس التونسي مقبوض في فرنسا بجريمة المخدرات، يحاكم هناك، ولذلك منعت الصحف الفرنسية من الدخول إلى تونس، وصار هناك جفاء في العلاقات، ولكن -أيضاً- هذه الشحنة لها تأثير معين ولها دلالة معينة، هو أن الضمير الغربي ضمير فاسد حقود على الإسلام، مهما كان هذا الإسلام إسلاماً ضعيفاً وليس إسلاماً أصولياً، ومع ذلك فإن هذا الخبر صغير الأهمية بالنسبة لتلك الأنباء التي تثبت أن هناك مخلفات إشعاعية خطيرة دفنت في أرض الصومال مما يشكل تهديداً خطيراً للبيئة، وتهديداً خطيراً للإنسان هناك.
ز/ أحداث الصومال: مثال رابع: أحداث الصومال، وهي مؤشر خطير، فقد فُرِضَتْ الاستقالة على مندوب الولايات المتحدة في الصومال وهو عربي اسمه سحلول؛ لأنه كشف جوانب من الإهمال والتقصير في عمل هذه الهيئة الدولي في حق المسلمين في الصومال فأقيل أو فرضت عليه الإقالة، مع أن تقارير الأمم المتحدة ذاتها تقول: إنَّ المساعدات الدولية فشلت والفقراء يتزايدون.
وأقيل هذا الرجل من منصبه؛ لئلا يكشف الفضيحة التي تورطت فيها الأمم المتحدة في التقصير بحق المسلمين في الصومال، بل أن هناك ما هو أخطر من ذلك، هناك تقرير يجب أن نضعه في الاعتبار نشرته جريدة "انترناشيونال هلاردتربيون" في أحد أعدادها بتاريخ (18/10/1413هـ) أي قبل حوالي ما يزيد على عشرة أيام -هذا التقرير عنوانه: "صرح إسلامي جديد"، ويتكلم التقرير عن مجموعة من الشباب المسلم في الصومال الذين يقومون بمجهودات عسكرية هناك، سأقرأ عليكم منه فهو مترجمٌ إلى العربية، يقول: مجموعات من الأصوليين الإسلاميين المسلحين جيداً، يتوسعون في أنحاء المناطق الصومالية، في منطقة القرن الإفريقي، وذلك كمسعى جاد لإقامة معقل قوي للإسلام الأصولي في المنطقة حسب كلام مراقبين صوماليين وأجانب، أقوى مجموعة وأكثرها حضوراً حزب الاتحاد الإسلامي المعروف بالاتحاد، والذي يلبس زي الإخوان المسلمين العالميين، قد حقق غزواً واسعاً في شمال الصومال، المطل على خليج عدن إلى إقليم أوجادين داخل أثيوبيا، وإلى المناطق التي يقطنها الصوماليون شمال كينيا -قبل أن استرسل في نقل هذا التقرير أحب أن أفيدكم أن هذا الاتحاد الإسلامي هو اتحاد سلفي على طريقة الكتاب والسنة، بعيد عن جميع أنواع الانحرافات السلوكية والعقدية وغيرها، وقد التقيت بأفراد منه، ومعهم تزكيات من مجموعات من أهل العلم وسيرتهم سيرة معروفة- لقد أقام الاتحاد معسكرات للتدريب في أنحاء شمال الصومال وإقليم أوجادين، ويدير شبكة للإمداد بالمال والسلاح، للشعوب الصومالية في جيبوتي والصومال وأثيوبيا وكينيا حسب ما أفاد عشرات القادة المحللين والدبلوماسيين وموظفي الإغاثة في الصومال وأثيوبيا الذين تحدثنا إليهم.
أحد الأهداف المعلنة لحركة الاتحاد، توحيد مختلف فئات الشعب الصومالي تحت راية الإسلام، ثم ذكروا أن الفوضى التي حصلت في الصومال بسبب سقوط حكومة زياد بري عام (1990م) قد سهلت نشاط الأصوليين في المنطقة، ثم قالوا: إن الإسلام الأصولي، قد فشل في بلاد كثيرة، ولكن كانت هناك حكومات توقف الأصوليين -يعني في البلاد التي فشل فيها كما قال عمر يوسف أزهري - وهو ممثل الجبهة الديمقراطية لإنقاذ الصومال، أما في الصومال فهم يتحركون بحرية وسط هذا الفراغ، وقال: يجب عدم الاستهانة بهم؛ لأنه إذا سمح لهم بالنمو فوق طفولتهم، فسوف يشكلون تهديداً حقيقياً لمنطقة القرن الإفريقي بأسرها، ثم ذكروا اغتيال طبيبة في بوصاصو وهو أحد المواني المطلة على خليج عدن، واتهموا الجبهة -جبهة الاتحاد الإسلامي- بأنها هي المسئولة عن ذلك، ثم ذكروا سيطرتهم على هذه المدينة، وتكلموا عن معسكراتهم التي تقدم التدريب العسكري والديني لآلاف من الشباب، وأنها أقيمت في عدة مدن، وقال: لم تنجح محاولاتنا المتكررة للاتصال بقيادات الاتحاد في المنطقة، لكن حسب قول بعض شيوخ القبائل الصوماليين الذي يعرفونهم، إن قادة الاتحاد يقولون: بأنهم حملوا السلاح للدفاع عن أنفسهم في بلد تسوده الفوضى العارمة وتنتشر فيه العصابات المسلحة، ثم قال: إنه لم يمكن تحديد مصادر التموينللاتحاد بينما تقول بعض المصادر إن المتدينين الصوماليين في الخارج يدعمون الاتحاد، ويقول الصوماليون الكثيرون: إن مصادر غربية تدعمهم -أيضاً-، وهذا المقصود منه التشويه لهؤلاء المسلمين، ثم قال: ومن الملحوظ أنه يأتيهم من تنظيمات أصولية متطرفة في السعودية وإيران وباكستان والسودان ودول أخرى بعض المساعدات.
يقول دبلوماسيون غربيون: إن شحنات الأسلحة للصومال قد سجلت أنها تغادر ميناء جيزان السعودي في البحر الأحمر، هذه كلها أقاويل ودعايات وأكاذيب المقصود منها تشويه صورة هؤلاء الشباب أمام المواطن الصومالي العادي؛ لأنه يتخوف حينما يقال له: هؤلاء من الخارج، خاصة إذا قيل له: مدعومين من الغرب، يقول التقرير: إن التراث الإسلامي المشترك قد وحد مختلف الفروع القبلية في الحركة الوطنية الصومالية في الشمال، وكذلك فإن علاقات الصومال التجارية والثقافية مع دول الجزيرة العربية والخليج تقوم على جذور عميقة، انتهى التقرير.
وعلق عليه مندوب الاتحاد بقوله: لا شك أن بعض ما ذكرته الصحيفة صحيح من حيث الأصل، ويعتبر من الأمور الظاهرة التي لا تخفى على أي زائر للصومال، خاصة إذا كان مهتماً بمثل هذه الأخبار، ووجد بعض الأطراف التي تزوده بالمعلومات الأخرى في المناطق، ولكن فيها قدر من المعلومات غير الصحيحة مثلما يذكرونه عن دعم بعض الدول، وعدد القتلى والجرحى في المعارك من الجبهة الديمقراطية العلمانية، حيث سبق أن أعلنا المعلومات الصحيحة حول هذه الأمور، ونعتقد أن غرض الجريدة لا يخفى على الكثيرين فيما يتعلق بالإشارة حول هذه الأمور، ولكن يبقى الأمر الهام، وهو ما يظنه الأعداء فينا من قوة التخطيط والتدبير والرعب الذي يصيبهم، والموقف الذي يقفه الكثيرون منهم حيث لا يعرفون كثيراً عن قضاياهم المهمة فالله المستعان! هذا الكلام يتحدث عن مجموعة محدودة من الشباب المسلمين في الصومال، فانظر كيف كان رد الفعل الغربي ضخماً وخطيراً وكبيراً أمام ذلك.
في مقابل هذا الخبر، خبر آخر كبير نشرته كل الصحف أمس وقبل أمس، بما في ذلك جريدة الحياة والشرق الأوسط والصحف المحلية وغيرها، يتلكم عن أربع سفن أمريكية تنقل أكثر من ألف وثمانمائة جندي أمريكي من قوات المارنز، وبالذات من الفرقة اثنين وثمانين والتي كان لها مشاركة فعالة في حرب الخليج، أبحرت متوجهة إلى منطقة عمليات الشرق الأوسط، والمقصود بها بالذات منطقة الصومال، وهي نواة لقوة أمريكية ستتواجد هناك، تتراوح حسب المصادر الأمريكية نفسها ما بين عشرين إلى ثلاثين ألف جندي أمريكي جاهزة للتدخل، وقريبة من موقع الأحداث، والغريب في الأمر أن المتحاربين في الصومال أيدوا هذه القوة؛ لأنهم شعروا أن هناك خطراً إسلامياً ينازعهم.
إذاً: السبب الثاني الذي يخيف الغرب هو: التكاثر السكاني الإسلامي، وما العملية التي تجري في الصومال -مثلاً- من عملية الإبادة عن ط