تعريف ظاهر الإثم

رابعاً: ظاهر الإثم: ما هو ظاهر الإثم؟ ظاهر الإثم: علانيته، كما قال قتادة، والربيع بن أنس، وأبو العالية، ومجاهد، والزجاج وغيرهم من المفسرين، وذكر ذلك الطبري، وابن كثير، وابن الجوزي، وسواهم، وظاهر الإثم أو علانيته يشمل أموراً منها: أولاً: المجاهرة بالمعصية وإعلانها على الملأ، وقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {كل أمتي معافىً إلا المجاهرين} أي: المعلنين بالمعاصي الذين لا يستترون بها، والمجاهرة بالمعصية تضاعف إثمها، فإن العاصي إذا استسر بمعصيته ضر نفسه فقط، أما إذا جاهر فإنه يكون بذلك ضر المجتمع كله، وجرَّأ آخرين على الوقوع في الإثم، أو تقليده في ذلك ومحاكاته، وبذلك انتقلت لوثة المعصية إلى المجتمع كله، فتنفسها الناس في الهواء، وشربوها مع الماء، ورضعوها مع لبن الأم، وتعاطوها بكل حال؛ لأنها أصبحت جزءاً من أعراف المجتمع ورسومه، يفعلها الجميع علانية لا يستترون بها، ولا يدارون عنها.

متى يجاهر الإنسان بالمعصية؟ إنه لا يجاهر بها إلا إذا كان في قلبه استخفاف بالذنب، وجراءة عليه، وتهاون بالمجتمع، ولا يجاهر بالمعصية أيضاً إلا إذا كان المجتمع مقصراً أو مفرطاً بشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاحتساب على الخطاة والجناة والعصاة، فهو يسكت ويجامل ويستحي، يسكت عن هذا لقرابته، ويسكت عن هذا لمنزلته، ويسكت عن هذا لإمارته أو سلطانه، ويسكت عن هذا لمنصبه، ويسكت عن هذا لتجارته.

وبذلك يستمرئ الناس المعصية، فيعذب المجتمع كله بسببها، ولو كان الذي يفعلها قليلاً، فإن الناس إذا رأوا المعصية، ورأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقاب، كما جاء ذلك في أحاديث صحاح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا لا يعني أبداً أن المجاهر بالمعصية يكفر بذلك، كلا! بل هو آثم فاسق، ولكنه لا يكفر ما دام معتقداً أن المعصية حرام، إنما يبقى الحديث على ظاهره: {كل أمتي معافى إلا المجاهرين} .

يبقى ليكون أهيب في النفوس، وأوقع في القلوب، وأردع عن الوقوع فيما حرم الله تعالى، ولهذا مجرد المجاهرة ليست كفراً، ولكن ننطق بما نطق به الصادق المصدوق أن كل الأمة معافى إلا المجاهرين فهم غير معافين، وكيف يكونون في عافية وهم يجاهرون ويبارزون الله تعالى بالمعصية؟! ولهذا قال السدي، والضحاك وغيرهما في هذه الآية {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْأِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام:120] قالوا: ظاهر الإثم أولات الرايات، وباطنه أولات الأخدان.

ما معنى هذا الكلام؟ معناه: أنه كان في الجاهلية نساء يعتبرن الزنا حرفة ومهنة يقمن بها، وهذا معلن، وتضع الواحدة منهن الراية على بيتها، حتى يعرفها الغريب فيأتي ويأوي إليها، إنها تعلن بجريمتها وإثمها، وتتظاهر بذلك، فهذا من ظاهر الإثم.

أما باطن الإثم فهن أولات الأخدان؛ أن تجعل الواحدة لها صديقاً تخادنه، وترتكب معه المعصية، ولكنها لا تتعاطى ذلك مع الجميع، وهذا مشهود موجود حتى في مجتمعاتنا، فأنت تجد من المنحرفات وصاحبات النفوس المريضة اللاتي تغلبت عليهن الشهوة، تجد منهن من تركض مع كل من أخذ بيدها، عرفته أو لم تعرفه؛ لأنه داخلها من ذلك والعياذ بالله تعلق بالشهوة وتربص بها وركض وراءها، فهي لا تعف عن شيء، ولا تتردد في شيء.

وفي بعض بلاد الإسلام -مع الأسف الشديد- مع أنها بلاد إن لم تكن أغلبيتها مسلمة، فكل سكانها يقولون إنهم مسلمون، ومع ذلك قد تجد في بعض تلك البلاد مواخير الزنا وبيوت الدعارة علانية، وبعض بلاد الخليج مع الأسف الشديد أصبحت مكاناً للمومسات يأتين إليها من أنحاء الأرض والعياذ بالله، ويلتقي بهن شباب الإسلام حتى تنسلخ أخلاقهم وقيمهم، وتضعف قلوبهم ونفوسهم، ويرتكبوا ما حرم الله عز وجل، وينقلوا أوبئة الأمم الأخرى، وأمراضها وعيوبها وآفاتها إلى بلادهم وأسرهم ومجتمعاتهم النقية النظيفة العفيفة، فإنا لله وإنا إليه راجعون! أقول يوجد في بعض النساء من تكون كذلك، قد انفتق قلبها على الشهوة، فأصبحت تركض وراءها وتبحث عنها، فهي كصاحبات الرايات التي تعلن بالمعصية، كل من اتصل عليها بالهاتف أو راسلها أو رمى لها برقم أو عنوان أو دعاها في سيارة ركبت معه لا تلوي على شيء، ولا تتردد في شيء، فهذا من ظاهر الإثم وعلانيته، أما باطن الإثم فقد مثل له هؤلاء الأئمة بأولات الأخدان التي تتخذ لها خدناً أو صديقاً أو حبيباً، وهذا كثير جداً حتى في بعض المجتمعات المحافظة، وحتى في بعض الأسر النظيفة النقية العفيفة، فتجد للبنت صديقاً تتصل به ويتصل بها، وتخلو به، بل وتركب معه، بل ترتكب معه ألواناً من الحرام دون الزنا، بل يصل الأمر إلى الزنا، وأول خطوة قد تكون يسيرة في نظرها، لكن الخطوة الأخيرة ولو كانت صعبة إلا أنها لم تستطع أن تمتنع عنها وكما قيل: وكأس شربت على لذة وأخرى تداويت منها بها والله عز وجل يقول: {لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [النور:21] .

فالخطوة الأولى كانت نظرة، أو لمحة، أو كلمة، أو عبرة، أو ضحكة، أو مجاملة، والخطوة الأخيرة هي كسر الزجاجة، والوقوع في الفاحشة العظمى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف:33] وقال: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْأِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام:120] لقد سماها الله تعالى فاحشة لأنها جمعت ألواناً من الإثم والزور والظلم والغبن الذي لا يحق ولا يحل، فما بالك حين يكون ذلك في شأن امرأة خانت زوجها، وغدرت بأطفالها وأولادها وبناتها، وألبستهم عاراً وشناراً لا يمحى، فخالفت زوجها إلى غيره؟! بل ربما في بيته وربما على فراشه أيضاً؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015