ثالثاً: دلالة الآية: الآية أمرت بترك الإثم، وهو المعصية التي توجب الإثم، وإنما سميت المعصية إثماً لأنها سبب في الإثم الذي يلحق العبد، ولهذا سمى العرب الخمر إثماً، كما قال شاعرهم: سقوني الإثم ثم تكنفوني عداة الله من كذب وزور أي: سقوني الخمر، وقال آخر في مجلس أبي العباس: نشرب الإثم بالصواع جهارا وترى المسك بيننا مستعارا أي: يشربون الخمر، وقال شاعر جاهلي ثالث: شربت الإثم حتى ضل عقلي كذاك الإثم تذهب بالعقول وإنما سميت الخمر إثماً لأنها سبب في الإثم، أو داعية إليه.
ولهذا قال مجاهد في تفسير هذه الآية: المقصود بالإثم الظاهر والباطن معصية الله تعالى في السر والعلانية، وعبارة المفسرين كلهم تدور حول هذا المعنى؛ وهي أن الآية قسمت الإثم إلى قسمين: الأول: إثم ظاهر يراه الناس بعيونهم، أو يسمعونه بآذانهم ويعرفونه.
والنوع الثاني: إثم باطن لا يعلمه إلا الله تعالى، أو لا يعلمه إلا القليل من الناس.
ثم توعد الله تعالى الذين يكسبون الإثم أن يكون كسبهم للإثم خسارة عليهم يوم الحساب: {سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ} [الأنعام:120] أي: من الجرائم والآثام متى؟ {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} [آل عمران:30] .