رابعاً: التصفية والقتل والقمع، ويسمونها التصفية الجسدية، قال تعالى: {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ} [الكهف:20] فهو قتل وبطريقة بشعة أيضاً، وكذلك قال فرعون ومن معه: {اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} [غافر:25] .
أي: اقتلوهم هم واقتلوا أبناءهم، ويجوز أيضاً أن يكون المعنى التهديد بقتل الأولاد، إرغاماً للمؤمنين، واضطراراً لهم إلى التراجع عن دينهم؛ بحيث يقتل ولد واحد منهم والأب يرى، ومما يصدق ذلك قصة ماشطة بنت فرعون، وقد رواها أهل السنن وأحمد بأسانيد عديدة، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صعد إلى السماء ليلة أسري به، وجد ريحاً طيبة، فقال: {يا جبريل ريح من هذه، قال: هذه ريح ماشطة بنت فرعون قال: وما كان من خبرها؟ قال: إن ماشطة بنت فرعون سقط المشط من يدها، فقالت: بسم الله.
فقالت بنت فرعون: الله والدي أبي.
قالت: لا، ربي وربك ورب أبيك الله رب العالمين.
قالت: أولك ربٌ غير أبي؟ قالت: نعم، ربي وربك الله.
فقالت: أخبر أبي.
قالت: أخبريه، فذهبت البنت إلى أبيها وقالت: إن الماشطة قالت كيت وكيت، فأحضرها فقالت: نعم، ربي وربك الله.
فأحضر قدراً من نحاس، فأوقد عليه النار حتى أصبح أحمر يتلهب، ثم جاء بها ومعها أولادها، فقال لها: ارجعي عن دينك.
فقالت: لا أرجع.
فأخذ ولدها الصغير ليلقيه في هذا القدر، فقالت: لي إليك حاجة، قال: وما حاجتك؟ قالت: أن تجمع عظامي وعظام أولادي في قبر واحد.
قال: ذلك لك علينا من الحق.
فأخذ ولدها ووضعه في هذا القدر، فإذا هو يحتمس ويسود ويحترق في لحظة واحدة، والأم ترى وتشاهد، ثم أخذ الآخر وكان ممسكاً بطرف ثوبها فألقى به في القدر، ثم أخذ الثالث من على كتفها فألقى به في القدر، والأم تصبر وتتجلد، ثم أخذها ورماها معهم فاحترقوا جميعاً} .
قال الله: {وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:10-14] .
لقد ذهب فرعون وذهبت الماشطة، لكن هذا إلى نار تلظى قال الله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] وتلك إلى: {جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:54-55] إذاً التصفية والقتل واردة عندهم، وقد يقتلون أولاد الواحد، إرغاماً له ومضايقةً وتهديداً، بل قد يهددونه بالاعتداء الجنسي على بناته أو على زوجته أو على قريبته؛ من أجل مضارته ومضايقته، كما هو ظاهر الآية أيضاً: {اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ} [غافر:25] .
أي: أبقوهن حيات، للخدمة والامتهان والابتزاز والاغتصاب، والاعتداء الجنسي عليهن.
هذا هو منطق الكفر أمس واليوم وغداً، ولا تظن إلا هذا: {اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ} [غافر:25] .