الرؤيا قسمان: النوع الأول: ظاهر جلي: كمن رأى في المنام أنه يأكل شيئاً، فحدث له ذلك في اليقظة، فهذا ظاهر ليس فيه رمز وليس فيه خفاء.
النوع الثاني: رؤيا مرموزة لا يعبرها إلا الحاذقون، وهذه الرؤيا لها قواعد وأصول تخفى على كثير من الناس، ولذلك سبقت عن النبي صلى الله عليه وسلم أمثلة كثيرة، قد لا يستطيع الإنسان أن يتوقعها.
كذلك عمر رضي الله عنه قال: إنه رأى في المنام أن ديكاً نقره ثلاث نقرات، فأولها بأنه يقتله رجل من العجم، فقتل رضي الله عنه وطعنه أبو لؤلؤة المجوسي ثلاث طعنات، كما هو معروف في السيرة.
ومن الذين اشتهروا بتأويل الرؤيا ابن سيرين وقد جاء في صحيح البخاري عنه أنه كان يقول: [[إن الرؤيا ثلاث: إما حديث النفس، أو تحزين من الشيطان، أو رؤيا من الله]] .
وهذا ثبت عنه عليه الصلاة والسلام كما سبق، قال ابن سيرين: وكانوا يعجبهم القيد، ويكرهون الغل، ويقولون: القيد ثبات في الدين، وهذا من الأشياء التي يعجب الإنسان منها، فإن السلف رضي الله عنهم كانوا يكرهون الغل، والغل هو القيد الذي يكون في عنق الإنسان في النوم، ولعل كراهيتهم للغل؛ لأنه ورد في القرآن على أنه عقوبة لأهل النار: {إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ، فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} [غافر:72] وكذلك قال تعالى عن الكفار: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ} [يس:8] .
أما القيد: فيكون في الرجل فيعجبهم القيد، لأن القيد منع الإنسان من المشي إلى الحرام، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن} المؤمن لا يقتل ولا يعتدي على الناس؛ لأن الإيمان قد قيده بذلك؛ فالقيد دليل على الإيمان، أما الغل في الحلق فكانوا يكرهونه ويعتبرونه أمراً ليس بحسن.
ولكن مع أن ابن سيرين له تأويلات كثيرة، إلا أن هناك كتاباً مشتهراً من تفسير ابن سيرين، تفسيراً للأحلام وتأويل للرؤى، وهذا فيه أشياء كثيرة منسوبة إلى ابن سيرين لا تصح، ولذلك يجب الحذر منه، ومن الخطورة بمكان أن ينتشر هذا الكتاب بين أيدي العامة والرجال والنساء، لأن الكتاب فيه حقائق وأباطيل، ولا تصح نسبته إلى ابن سيرين، فقد يؤول الشيء بالشيء أو بضده، إما رزق أو موت، فإذا رأى الناس هذه الرؤيا أصابته بهم شديد.
ينبغي التحذير من هذا الكتاب وتبيين أن هذا الكتاب لا يعتمد عليه، وكذلك هناك كتاب آخر للنابلسي فيه أشياء صحيحة وأشياء غير صحيحة، وهناك لبعض الحنابلة وهو أحمد بن عبد الرحمن المقدسي كتاب سماه البدر المنير في تأويل الأحلام ذكره الذهبي، وسوف يأتي الإشارة إلى بعض تأويلات المقدسي.
وذكر من هذه التأويلات ابن القيم في زاد المعاد المجلد الثالث، ذكر تأويلات المقدسي، وقد التقى به وأخذ عنه وإن كان ابن القيم يقول: لم يتح لي فرصة أن أقرأ عليه تأويل الرؤيا لصغر سني ولتقدم وفاته رحمه الله، وكان يسمى بـ الشهاب العابر، لأنه دقيق، حتى يقول: الذهبي لا يدرك شأنه في تفسير الأحلام، لا يشق له غبار في تأويل الرؤى والأحلام، فمن ذلك أن رجلاً رأى في رجله خلخالاً، فقال له: سوف يصيب رجلك داء تتخلخل منه، وهكذا كان.
وجاءه آخر فقال: إني رأيت في أنفي حلقة من ذهب، ورأيت فيها حباً أحمر جميلاً، فقال له: إنه سوف يصيبك رعاف! وهكذا كان.
وجاءه آخر فقال له: رأيت في يدي سواراً والناس ينظرون إليه، فقال له: سوف يصيب يدك داء برص أو بهاق أو نحوه، وسوف ينظر الناس إليه.
وجاءه آخر فقال: رأيت في يدي سواراً ولقد خفيته فلا ينظر إليه الناس، فقال له: سوف تتزوج امرأة حسنة جميلة رقيقة، قال: وهكذا كان.
وأشار الإمام ابن القيم في الموضع المشار إليه إلى أن الحلية في اليد قد تكون هماً، وقد تكون تزويجاً، وقد تكون بنتاً تولد له أو ما أشبه ذلك.
فيكون الشيء رمزاً لآخر، مثلاً: الذهب يكون رمزاً للمرأة الصالحة، وقد يكون الرمز باللفظ كما سبق بأن الذهب أوله بعض أهل العلم بالذهاب لسرعة ذهاب شأن الكذابين.
ومن ذلك ما ورد في صحيح مسلم عن أنس: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {رأيت أنني في دار عقبة بن رافع، وكأنه أُتي لنا بتمر من تمر ابن طاب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فأولته الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة لنا في الآخرة، وأن ديننا قد طاب} أخذ الرفعة من اسم رافع، وأخذ العاقبة من عقبة، وأخذ طيب الدين من أنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا أكلوا من تمر يسمى تمر ابن طاب وهو من جيد تمر المدينة.
وكما ذكر ذلك عدد من المعبرين.