حقيقة الرؤيا في الإسلام

أما الإسلام فله حكم وبيان في موضوع الرؤيا وتحديدها، وألخص ما يتعلق بهذا الموضوع في أقسام: أ- القسم الأول: الحُلُم.

والمقصود بالحلم: هو ما يصيب الإنسان أثناء المنام من تزيين وتسويل وتمثيل الشيطان، ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، من حديث جماعة من الصحابة في الصحيحين أنه قال: {الرؤيا من الله، والحُلُم من الشيطان} .

ومثاله: أن يرى الإنسانُ نفسَه في موقع حرج جداً، وأن هلاكه لا بد منه بحال من الأحوال، فهذا حُلُمٌ يريد الشيطانُ أن يخيف به الإنسان.

مثال آخر: أن يرى الإنسانُ أن رأسَه مقطوع، وهو يَتَدَهْدَهُ ويَتَدَحْرَجُ أمامه مثلاً، وهذا الحلم وقع لأعرابي، كما في صحيح مسلم، من حديث جابر، {فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! إني رأيتُ أن رأسي قد قُطِع، فهو يَتَدَهْدَهُ أو يَتَدَحْرَجُ أمامي.

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخبر الناس بتلاعب الشيطان بك في المنام} أي: إن هذه مجرد وساوس وتسويلات وتزيينات من الشيطان، لا ينبغي للإنسان أن يتحدث عنها ولا يخبر الناس بها، بل يعلم أنها من الشيطان، وسيأتي بيان الأدب الواجب في مثل هذا.

وأيضاً من الأحلام التي هي من الشيطان: أن يرى الإنسانُ في منامه شيئاً يخالف الدين، كأن يرى -مثلاً- أن مَلَكَاً أو نبياً يأمره بارتكاب ما حرم الله، فهذا يكون من الشيطان ولا بد، وأعظم من ذلك أن يرى الإنسان أن ربه يأمره في المنام بارتكاب ما حرم أو بترك ما أوجب.

وأذكر في هذا المجال قصة حدثت للإمام عبد القادر الجيلاني -رحمه الله- وهو من أئمة أهل السنة، وإن انتحله الصوفية وتَبَنَّوْه، فقد جاء الشيطان إلى الإمام عبد القادر وهو في منامه وأوقد أمامه ناراً عظيمة في المنام، وزين وسَوَّل له هذا، ثم ظهر هو في وسط النار، وهو يقول له: يا عبد القادر، يا عبد القادر، أنا ربك، وقد أحللتُ لك ما حرَّمتُ عليك.

فهذا الرجل الموفق المسدد لم يغتر بل قال: اخسأ يا عدو الله.

ثم استيقظ وعلم أن هذا من الشيطان؛ لأنه يعلم أن الله تعالى لا يمكن أن يحلل بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم حراماً، ولا يحرم حلالاً، فقد خُتِمَ الأنبياء بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبه كَمُل الدين وتمت النعمة، ولم يعد الوحي يتنزل، وليس لأحد أن يخرج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كائناً من كان.

ومن ادعى أنه يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو مرتد عن الإسلام كما يدعي بعض شيوخ الطرق الصوفية.

المهم كونه رأى أن هذا الشيطان يدعي الألوهية، والشيطان لا يمنع أن يدعي الألوهية، كما ادعاها فرعون وغيره، ثم يقول لـ عبد القادر: إني قد أحللت لك ما حرمت عليك.

فعرف أن هذا من لعب الشيطان به في المنام، واستعاذ بالله منه، وقال: اخسأ يا عدو الله.

هذا القسم الأول وهو الحُلُم.

ب- القسم الثاني مما يراه الإنسان في المنام: حديث النفس.

فالإنسان إذا حدَّث نفسه بشيء، وأطال التفكير فيه، أو تمناه وتمنى حصوله، أو اعتاد مواجهته ومعالجته في الواقع، فكثيراً ما يراه في المنام، فقد تجد الإنسان يرى في المنام ما يتعلق بعمله وشأنه الذي يشتغل به في الدنيا، أو ما يتمنى من الأمور، من كسب أو جهاد أو تجارة أو غيرها، أو الأشياء التي يفكر فيها، وإذا فكر الإنسان -مثلاً- لمدة ربع ساعة قبل النوم بأمر؛ فإنه -غالباً- يرى شيئاً يتعلق بما حدث به نفسه، وهذا لا يُحْمَد ولا يُذَم، بل هو من الأمور العادية.

جـ- القسم الثالث: ما يكون مِن قِبَل الطبع.

وهذا لا مانع أن يقع لبعض الناس، فإذا تغير مزاج الإنسان -كما أسلفت- فإنه قد يرى شيئاً يتناسب مع تغير مزاجه، بزيادة البلغم أو زيادة الدم أو ما أشبه ذلك، فيرى أحياناً نيراناً أو يرى سروراً، أو يرى نوراً وضوءاً أو ما أشبه ذلك، بحسب تغير مزاجه، وهذا يحدث إذا مرض الإنسان -مثلاً- أو اعتلت صحته، أو أكثر من الأكل، أو كان شديد العطش، فيحدث له مثل هذا.

د- القسم الرابع: الرؤيا التي هي من الله تعالى.

وهذه -لا شك- أشرف الأقسام وأعظمها، وقد ورد فيها عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة} وهذا الحديث عند البخاري، وفي الصحيحين من حديث أبي قتادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {الرؤيا الصادقة من الله والحُلُم من الشيطان} وأيضاً من حديث أبي سعيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، وإذا رأى رؤيا يكرهها فإنما هي من الشيطان} والحديث متفق عليه.

ومن حديث أبي هريرة -كما أسلفت-: {لم يبقَ من النبوة إلا المبشرات} وفي صحيح مسلم: أنه قال: {الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرَى له} وفي حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه، كشف الستر ثم نظر إلى الناس ورأسه معصوب، ثم قال: {لم يبقَ من النبوة إلا المبشرات، الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُرَى له} والحديث رواه البخاري.

فهذه الرؤيا التي يكون فيها خير للإنسان، كأن يرى الإنسان فيها بشارة بخير، أو تنبيهاً على أمر سيقع، فيكون فيها خير، وقد يكون فيها تحذيراً أحياناً.

فمثلاً: قد يرى المؤمن النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، ورؤيا النبي صلى الله عليه وسلم حق، كما سيأتي، لكن ربما يرى النبي عليه الصلاة السلام في المنام وهو مُزْوَرٌّ عنه، ومعرض عنه، فيكون هذا إشارة إلى أنه حصل من هذا المؤمن نوع من التقصير، فيتنبه إليه ويحرص على أن يستدركه، فيكون في ذلك خيراً له، وإن كانت الرؤيا قد تحزنه لما رأى، لكن يكون فيها خيراً له.

هذا ما أحببت أن أقوله في هذه الليلة.

وفي الأسبوع القادم -إن شاء الله- سوف نستكمل موضوع الرؤيا، ونذكر بعض مرائي النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والصالحين، وتعبير الرؤيا، وبعض القصص الطريفة في ذلك، والآداب الواجبة للمؤمن إذا رأى رؤيا يحبها أو رأى رؤيا يكرهها، وبعض المتفرقات المتعلقة بموضوع الرؤيا، وبعد صلاة العشاء في الأسبوع القادم -إن شاء الله- نجيب على الأسئلة المتعلقة بهذا الموضوع، والله تبارك وتعالى أعلم.

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015