حقيقة الرؤيا عند غير المسلمين

يعجبني في هذا أن الإمام المازري يقول: إن غير الإسلاميين -أي: العلماء من غير المسلمين- لهم في شأن الرؤيا خبط وتخليط كثير وأقوال باطلة، وذلك بسبب أن الرؤيا أمر يتعلق بالروح وبالنفس، والروح لا يعلم حقيقتها إلا الله، قال تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85] وهؤلاء الفلاسفة والمنحرفون من غير الإسلاميين، حاولوا أن يتوصلوا إلى حقيقتها فضلوا؛ لأنهم إذا كانوا لا يمكن أن يتوصلوا إلى حقيقة الروح والنفس التي هي أصل الرؤيا، فمن باب الأولى لا يمكن أن يتوصلوا إلى حقيقة الفرع وهو الرؤيا.

على سبيل المثال: هناك رجل ذكره ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والنحل، وسماه: صالح قبة، وهو تلميذ النظام، والنظام من شيوخ المعتزلة يقول: إنه يقول: إن من رأى شيئاً في المنام فما رآه فإنه حق كما هو، وضرب: ابن حزم مثالاً يتناسب مع مجتمعه وبيئته، يقول: لو أن إنساناً نائماً في الأندلس، ورأى أنه في الصين في المنام، فإنه يكون حقيقة في الصين، وأن يكون الله اخترعه في تلك اللحظة في الصين!! وهذا من الباطل المحال الذي لا يحتاج إلى نقض ولا إلى عرض أيضاً؛ لأنه أمر دون الكذب والباطل ودون المحال أيضاً؛ فلا يحتاج إلى الاشتغال به، وإن كان هناك من قال به مِن سَقَطَةِ الناس وسفهائهم.

وهناك الأطباء -وأعني بالأطباء: الأطباء من الماديين، أما الأطباء من المسلمين فدينهم الإسلام- وقولهم في هذا الباب كقول غيرهم من علماء الإسلام، لكن أعني: الذين ينظرون نظرة طبية بحتة، يرون أن الأشياء التي يرآها الإنسان في المنام تعود إلى الأخلاط الموجودة فيه، فإذا كان يغلب على الإنسان البلغم -مثلاً- فإنه يرى كثيراً أنه يسبح في الماء، وإذا كان الغالب عليه الصفراء؛ فإنه يرى النيران في المنام، وإذا كان غلب عليه الدم؛ فإنه يرى أشياء فيها فرح وسرور ومتعة أثناء نومه، وهكذا بحسب الأخلاط التي تغلب على مزاج الإنسان، ويرون أن جميع ما يراه الإنسان هو من هذا الباب.

وأما الفلاسفة، فإنهم يرون أن الرؤيا هي انعكاس لأمور منقوشة في العالم العلوي، فإذا صادفها الإنسان انعكست على نفسه ورآها.

وهذا كله كلام باطل؛ لأنه ليس عليه دليل، لا من النقل ولا من العقل.

فالنقل عن المعصوم ما جاء بهذا، ولا قاله الله ولا الرسول عليه الصلاة والسلام.

والعقل لا يدل على هذا أيضاً، فهذه أمور فوق مستوى أن يدركها العقل.

إذاً: هو كلام هُراء في هُراء.

وفي العصر الحاضر وُجِِدَت مدرسة يسمونها مدرسة التحليل النفسي، ويقوم على رأسها يهودي مجرم، هو: فرويد، وهذه المدرسة تفسر الرؤيا تفسيراً معيناً، ولها فيها نظرية متكاملة، يقولون: إن الرؤيا أو الأحلام التي يراها الإنسان ليست مجرد خليط جزافي، وإنما هي أولاً: تأثيرات من أمور ماضية، سواءً في الأيام القريبة أو في التاريخ البعيد لتربية الإنسان، وما واجهه من أحداث، فتظهر على الإنسان أثناء الرؤيا، كما يرون أنها تعبير عن أشياء مكبوتة في النفس.

فإذا كان الإنسان جائعاً -مثلاً- في زعمهم فإنه يرى في المنام أنه يأكل، أو عطشاناً فإنه يرى في المنام أنه يشرب، وهكذا بالنسبة لأية رغبة مكبوتة، حتى إنهم يقولون: إذا كان يكره -مثلاً- شخصاً قريباً منه من أقربائه، ولا يستطيع أن ينتقم منه، فإنه قد يرى في المنام أنه يقتل حية -مثلاً- تعبيراً عن هذا الإنسان الذي يريد أن ينتقم منه ولا يستطيع إلى غير ذلك مما يقولونه.

والغريب أن هؤلاء يرون أن مهمة أو وظيفة الرؤيا حراسة النوم، يقولون: إن الإنسان أثناء النوم قد تعرض له أصوات أو أشياء مزعجة تمنعه من الاستمرار في النوم، فأحياناً الرؤيا مهمتها أن تحرس الإنسان أثناء النوم، بحيث يكون منشغلاً فلا يصحو أو ينزعج، فيقولون: لو أن إنساناً ينام وهو متعب وبحاجة إلى النوم، ويأتي إنسانٌ فيضرب الجرس ويدق عليه الباب، فبدلاً من أن يستيقظ من منامه ويقوم ليفتح الباب؛ يرى في المنام أنه يُضْرَبُ الجرسُ ويُدَقُّ البابُ، وأنه قام وفتح وهو في المنام، فيعفيه هذا العمل من مهمة القيام.

وآخر متعب لا يريد أن يذهب إلى الدوام، فيرى في المنام أنه قد توضأ واغتسل ولبس ثيابه وذهب إلى الدوام، وهو في الواقع لا يزال يتقلب في فراشه، هذا تفسيرها.

أذكر لكم أنني سمعتُ -كما قلتُ قبل قليل- أحدهم يتحدث فيقول: إن آخر نظرية في تفسير الأحلام، وآخر صرعة علمية -كما يقولون- أن واحداً يقول: إن الأحلام هذه عبارة عن نفايات المخ، بمعنى: أن المخ أثناء النوم يعيد تنظيم نفسه، فهذه الرؤى التي يراها الإنسان هي نفايات، أي: قمامة المخ يخرجها، فيحصل للإنسان هذه المرائي وهذه الأحلام.

هذه كلها تصورات أقوام قد ضلوا عن سواء السبيل، ما استناروا بنور الكتاب والسنة؛ ولذلك وجدت عندهم هذه التصورات التي هي بالضرورة نتاج العقل البشري، فالعقل البشري في هذه الأمور إذا لم يستنر بنور الكتاب والسنة فستكون هذه نهايته، يأتي بهذه الأقوال والخرافات المضحكة التي ليس عليها أثارة من علم، لا من علم المعقول ولا المنقول، ولو كانت أموراً تُدْرك بالحس أو بالعقل لكان لنا كلام معهم، لكنها أمور ليست حسية ولا عقلية، فلا سبيل إلى معرفة هذه الأمور إلا عن طريق الوحي والشرع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015