دلالتها على العجز وعدم التمكن

الدلالة الثانية من دلالات الرؤيا: هي أنها تدل على نوع من العجز وعدم التمكن.

كيف ذلك؟ الإنسان - أحياناً - تُغْلَق أمامَه الأبواب في أمر من الأمور، والوسائل التي يستطيعها بذلها، ثم فوض الأمر بعد ذلك إلى الله، والإنسان بطبيعته ضعيف وعاجز، وهذا من حكمة الله تعالى، ومن علامات النبوة -أيضاً- أن الرؤيا تدل على العجز في الإنسان.

ولذلك تجد -مثلاً- أن السجين كثيراً ما يرى الرؤيا.

لأن السجين أُغْلِقَت أمامَه الأبواب، فهو عاجز لا يستطيع أن يصنع شيئاً، ولذلك غالب بضاعته تتعلق بالرؤيا، وفي القرآن الكريم في سورة يوسف، ذكر الله تعالى ضمن القصة مرائي عدد من المساجين الذين ذكروا ليوسف عليه السلام مرائيهم: {قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:36] .

وكثيراً ما يرى المسجونون الأحلام ويتحدثون بها، وأذكر شاعراً كان يقول وهو في السجن، يصف حاله: خرجنا من الدنيا ولسنا من أهلها ولسنا من الأموات فيها ولا الأحيا إذا جاءنا السَّجَّان يوماً لحاجة عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا ونفرح بالرؤيا فجُلُّ حديثِنا إذا نحن أصبحنا الحديثُ عن الرؤيا فهي تدل على نوع من العجز، ولعلي أستشهد في هذا بالحديث الذي صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه مسلم وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا تقارب الزمان لم تَكَدْ رؤيا المؤمن تكذب} .

والمقصود بذلك: أنه في آخر الدنيا، وقبل قيام الساعة، يغلب على رؤيا المؤمن الصدق، حتى لا تكاد تكذب، ولا تكاد تخلف، ولعل من الحِكَم -والله تعالى أعلم- أن المؤمن في آخر الزمان ضعيف مستضعف؛ لأن الإيمان قَلَّ ونَدُرَ أهله، وكَثُر الشرك والفساد والضلال والانحراف والمنكر، فأصبح المؤمن يعتصر قلبه من الأسى والحزن، ثم لا يجد طريقة ينصر فيها الإسلام، ويأمر فيها بالمعروف، وينهى فيها عن المنكر، ويدعو الناس إلى الخير، وحينئذ -مع شدة اهتمامه بقضيته- ينفس الله تبارك وتعالى عن هذا المؤمن بهذه الرؤيا، التي يكون فيها الأنس والسرور والتثبيت والتبشير لهذا المؤمن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015