الدلالة الأولى: أنها تدل على اهتمام صاحبها

الدلالة الأولى من دلالات الرؤيا: أنها تدل على اهتمام صاحبها.

فإذا اهتم الإنسان بشيء فإنه كثيراً ما يراه في منامه، كما أن الواحد إذا اهتم بأمر فإنه يشغله وهو في الصلاة أحياناً، ويشغله وهو يستمع إلى محاضرة، فكذلك يشغله هذا الأمر وهو في المنام، فيرى رؤى وأحلاماً متعلقة بهذا الأمر الذي شغله في اليقظة.

ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث سمرة بن جندب المتفق عليه: {أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر التفت إلى أصحابه، وقال لهم: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ فإن رأى أحدهم رؤيا قصها.

فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: خيرٌ لنا وشرٌّ لأعدائنا} ويؤوِّل هذه الرؤيا.

إذاً: كونه صلى الله عليه وسلم يسأل أصحابه: {هل رأى أحد منكم رؤيا؟} دليلٌ على أن أولئك الرجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين كان هم الإسلام يشغل قلوبهم -حتى وهم يتقلبون في فرشهم- كانت قلوبهم مرتبطة بالإسلام، ولذلك انظر أيَّ لون من المرائي كانوا يرونها؟ وسأشير في نقطة قادمة إلى بعض مرائي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لا بأس أن نسبق الأحداث، وأشير إشارة عابرة إلى شيء منها: رؤيا عبد الله بن عمر -مثلاً- كما في الصحيحين يقول: {كنت أنام وأنا أتمنى أن أرى رؤيا، فرأى يوماً من الأيام أنه جاءه رجلان فأخذا بيديه، فذهبا به فوقفا به على النار، قال: وإذا بها رجال قد عرفتهم، وهي مطوية كطي البئر، ولها قرنان، فقلت: أعوذ بالله من النار.

فقالا لي: لن تُرَعْ -أي: لا تخف- ثم ذهبا به إلى الجنة، وأعطياه قطعة من حرير، قال: فما أريد مكاناً إلا طارت بي إليه، ثم استيقظ، فأخبر أخته حفصة بهذه الرؤيا، فأخبرت بها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: نِعْم الرجلُ عبد الله بن عمر لو كان يقوم من الليل.

فكان عبد الله بن عمر بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً} كان كثير الصلاة رضي الله عنه وأرضاه.

إذاً: هذا ما كان يفكر فيه ابن عمر في يقظته رضي الله عنه وأرضاه، أي: كان موضوع الجنة والنار قد شغل باله، وكان له حيز في قلبه وتفكيره في اليقظة، فلما نام رأى رؤيا تتناسب مع هذا الهم الذي كان يشغله في يقظته.

ومثله مرائي كثيرة حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم نفسه، كما في رؤياه في معركة أحد، وكما في رؤيته صلى الله عليه وسلم لـ عمر في أحوال عديدة، ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيح: {دخلت الجنة فوجدت فيها قصراً من ذهب، فاقتربت منه فوجدت امرأة تتوضأ، فسألتُ: لمن هذا القصر؟ قالوا: لـ عمر قال: فأردتُ أن أدخل، ثم ذكرتُ غَيْرَتك فولَّيتُ مدبراً، قال أبو هريرة: فبكى عمر رضي الله عنه وقال: أوَ عليك أغار يا رسول الله!} وقل مثل ذلك في مرائي كثيرة رآها النبي عليه الصلاة والسلام، أو رآها أصحابه الكرام، أو رآها الصالحون، وسوف أشير إليها -إن لم يمكن في هذه الحلقة- ففي الأسبوع القادم الذي وعدتكم بأننا سوف نكمل فيه الحديث عن هذا الموضوع.

المهم أن الرؤيا أولاً: تدل على اهتمام الرائي بأمر من الأمور، فإذا كان الإنسان مشتغلاً بقضية الإسلام والإيمان، فإنه -غالباً- يرى أموراً تتعلق بهذا الموضوع.

وقُل مثل ذلك فيمن يكون مشغولاً بغير هذا، مَن يكون مشغولاً بالدنيا أو بالدراسة، أو بأي أمر من الأمور، غالباً ما يرى ما يتناسب مع اهتمامه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015