الغلو في الرؤى أو الجفاء عنها

أولاً: ما ذكره الإمام أحمد رحمه الله: أنه كان يقول في عهده، وقد شُكِي إليه بعض الانحراف في أمور معينة، فقال: "هذا الزمان قَلَّمَا تجد فيه شيئاً مستقيماً".

أكثر الأشياء مُعْوَجَّة، وإذا كان هذا في عصر الإمام أحمد، فما بالك في عصرنا هذا؟! فكل شيء في عصرنا هذا يكاد أن يكون وقع فيه اعوجاج عظيم، ويحتاج إلى تقويم، ففي موضوع الرؤيا -مثلاً- تجد هناك مَن غلا في تقييم الرؤيا ورَفَعَها عن مكانتها، حتى أصبحتَ تجد مَن يَعْتَبر الرؤيا تشريعاً أو ينقص بها شرع الله عز وجل، فقد يحلل الحرام أو يحرم الحلال؛ بناءً على رؤيا رآها، وقد يدَّعي بعضهم عِلْمَ الغيوب التي تفرد الله تعالى بعلمها، والتي لم يطّلع عليها أحداً، بسبب أنه رأى رؤيا أو رئيت له رؤيا، وطالما افتتن الناس -مثلاً- بأن فلاناً رأى أن الساعة تقوم بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة، مجرد رؤيا في المنام، تخدع كثيراً من سذج الناس ودهمائهم، مع أنها مناقضة لصريح القرآن الكريم، قال الله: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان:34] {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه:15] {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات:42-45] ومع ذلك فكثيراً ما ينخدع الناس بهذا، وقد تنشره الصحف أحياناً، ويغتر به بعض المسلمين.

وفي مقابل هؤلاء الذين يعظمون شأن الرؤيا، ويعتبرونها -أحياناً- تشريعاً؛ تجد هناك من يستهينون بالرؤيا ويفرطون في شأنها، حتى أنهم لا يرونها شيئاً، يقللون من قيمتها، بل لا يرون لها قيمة البتة، ويرون أن جميع ما يُتَحَدَّثُ عنه من الرؤى، إنما هو كلام عجائز، وخرافات وأساطير وما أشبه ذلك! وهذا هو الآخر انحراف في الطرف الثاني، وهو أقرب ما يكون إلى نظرات الماديين في هذا العصر، الذين لا يؤمنون إلا بالمحسوس، ولذلك ينكرون الغيب، وما يتعلق به من الأمور.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015