ولذلك تجد كثيراً من الشباب عندما تحدثه في موضوع الزواج يضحك، ويقول لك: الله المستعان! أنت تتكلم عن خيال! أتزوج! أنا الآن طالب في الثانوي، أمامي تأمين المستقبل، أمامي الوظيفة، هل أسكن زوجتي في أي بيت؟! وكيف أصرف عليها؟! وكيف أصرف على نفسي؟! وأمور ومشاكل وقضايا، وأمامي ثلاثة من إخواني لم تزوجوا بعد، ووالدي لا يمكن أن يساعدني! أتذكر الصحابي الذي سأل الرسول عليه الصلاة والسلام، وجلس عنده {فجاءت امرأة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ووقفت عنده، وقالت: يا رسول الله! جئت أهب نفسي لك -أريدك أن تتزوجني، لأن الرسول عليه السلام -بلا شك- كل امرأة شريفة يسرها أن يكون زوجها- فنظر إليها الرسول صلى الله عليه وسلم وصعد النظر وصوبه -كأنها ما أعجبته عليه الصلاة والسلام- فسكت قليلاً، فجاء رجل من عنده، وقال: يا رسول الله! زوجنيها إذلم يكن لك بها حاجة، قال له الرسول عليه السلام: ابحث عن مهر -التمس- فذهب ورجع وما وجد شيئاً، قال: ما وجدت شيئاً يا رسول الله، ما وجدت إلا إزاري هذا، -عليه إزار ورداء، قال: أعطيها واحداً، فهو من اقتناعه بأهمية الزواج مستعد أن يتخلى عن ثوبه من أجل أن يتزوج- فقال: إن أعطيتها إزارك بقيت ولا إزار لك، لكن التمس ولو خاتماً من حديد، فذهب وبحث فما وجد، فسأله: هل عندك شيء من القرآن؟ قال: نعم عندي سورة كذا وسورة كذا.
قال: أزوجك إياها على أن تعلمها هذه السور.
فزوجه إياها على سور من القرآن يعلمها إياها} .
المقصود من هذه القصة: هذا الرجل الصحابي لأن تفكيره سليم، أدرك أن الزواج حاجة ضرورية فطرية غريزية في الإنسان، وأن الإنسان ما دام أنه لم يتزوج فإنه يعتبر ناقصاً، تفكيره غير مستقل، وغير مستقيم، فيه نقص معين، وحياته غير مستقرة، أموره غير منضبطة، ولهذا فهو من شدة تفانيه في موضوع الزواج مستعد أن يتخلى عن ثوبه من أجل أن يتزوج.
لكن نحن الآن لا نجد هذا في نفوس الكثيرين، تجد أن الإنسان يشعر أن فكرة الزواج -أصلاً- مؤجلة خمس أو ست سنوات، وهذا عنده أمر مفروغ منه، وأنا حدثت في هذا كثيراً من الشباب، ففكرة الزواج عنده مؤجلة، وبالتالي لا يفكر فيها أصلاً، والكلام الذي تقوله يزل عن أذنه مثل ما يزل الماء عن الصخرة يميناً وشمالاً، لأنه ليس عنده استعداد أصلاً أن يفكر في الموضوع، لكن لو أقنع نفسه -على أقل تقدير- بأن يفكر في الأمر، فيمكن أن يجد بعض الحلول.
أقل تقدير أنه بدلاً من أن الزواج عنده بعد ست سنوات، أن يقتنع أنه يمكن أن يجعل المدة ثلاث سنوات، ويجد في العمل، ويرتب أموره بشكل معين؛ حتى يستطيع أن يحقق ذلك.
مثلاً: عندنا طلاب في الكلية يقول لك: زواجي بعد ما أتخرج، وأتوظف، وبعد ما يا أخي! أنت الآن طالب، فإذا كنت تشعر بالحاجة، فما هو المانع من أن تنتسب في الكلية، وتبحث عن عمل وظيفي تستفيد من ورائه، وتكوّن نفسك بشكل صحيح، وتعد موضوع الزواج؟ ما الذي يمنع الإنسان أن يكون له عمل إضافي؟ يقول لي بعض الناس: أتينا إلى أناس في كثير من البلاد، وهم شباب جسم الواحد منهم كالفيل في القوة، وصحته -ما شاء الله تبارك الله- ومن أسر وعوائل، ويعتبره الناس أنه ابن وزير، أو ابن مسئول كبير، أو ابن غني وثري من الأثرياء، ويمكن أن تجد الشاب هذا يعمل في بعض المطاعم؛ ينظف المطعم أو ينظف الصحون؛ مقابل مبلغ معين من المال، فليس في العمل ومواجهة العمل، أي ذلة، كما -مع الأسف- تلقينا هذا وتعودنا عليه في بيئتنا، بالعكس هذا شرف للإنسان أنه يعمل.
محمد عليه الصلاة والسلام، أشرف الناس وأكرم الناس، كان يعمل في المطبخ مع زوجته: {كان يكون في حاجة أهله، حتى إذا أذن المؤذن خرج إلى الصلاة} .
فكيف تكون هذه أشياء غير شريفة أو أشياء غير محمودة؟! وكذلك نبي الله داود كان يأكل من عمل يده، وأشرف المكاسب أن يأكل الإنسان من عمل يده.