أما القضية التالية؛ فهي عبارة عن أفراح وأحزان، وأذكرها بسرعة فالوقت يمضي سريعاً، ومع الأسف فلن نتمكن من ذكر الكثير مما أتمنى، هذا تقرير أرسله الأستاذ أحمد الصويان وهو أحد إخواننا الموثوقين المعروفين من الصومال حيث ذهب إلى هناك، وهو تقرير مبكٍ محزن عن أوضاع المسلمين، ولابد أن أقرأ عليكم ولو بعضه، ولعلكم تحصلون عليه يقول: هرب كثيرون من رحى الحرب القبلية التي تدور على أرض الصومال ويقول: يعجز القلم عن ذكر ما يجري هناك، عشرات من الأطفال يتساقطون يومياً بسبب الجوع وسوء التغذية، وعشرات من النساء والعجزة أهلكهم المرض والحزن، كل أسرة تحمل مأساة تنهد لها الجبال، ثم يقول: في بعض الإحصاءات بلغت نسبة الوفيات في بعض المخيمات واحد بالألف يومياً، وهذا يعني أن عدد الوفيات يومياً أربعون حالة، هذا في أحد المخيمات، ففي مدينة منديرا مات في يومٍ واحد أثناء وجودنا فيها أكثر من ثلاثين طفلاً بسبب الجوع والمرض، ورأينا عدداً ليس بالقليل من الأطفال والنساء في حالة الاحتضار، ومن المحزن أن (80%) تقريباً من النساء الحوامل يمتن أثناء الولادة لعدم وجود الرعاية والعناية بهن، ولقد استحدث الناس بجوار كل مخيم مقبرة جديدة، وفي عدد من الأماكن التي نذهب إليها كان الناس يقولون لنا: لا نريد منكم طعاماً ولا شراباً، ولكن نريد منكم أكفاناً نكرم بها موتانا، بل حتى لباس الأحياء لا يتوفر عند بعضهم، فالعري أصبح ظاهرة طبيعية خاصةً بين الأطفال، وكم من امرأة لا تستطيع أن تخرج من كوخها لأنها لا تملك ما تستتر به، وقد رأيت في مخيم إيفو وهو أحد المخيمات القليلة التي وزعت فيها الخيام، رأيتهم ينزعون البطانة الداخلية للخيام ويلبسونها للنساء والأطفال لعدم توفر الكساء، وزاد الأمر سوءاً وقسوةً الجفافُ الشديد الذي أصاب الأراضي الكينية المجاورة للصومال مما أدى إلى موت الحيوانات والمواشي التي يعتمد عليها بعد الله تعالى عامة الناس، وهذا أدى إلى هجرة جماعية إلى أهالي البادية الكينية، وقد زرت مدينة فوجدتها أكثر سوءاً من بعض مناطق اللاجئين الصومال.
يقول أيضاً في هذا التقرير: (20%) من الأطفال يموتون تحت سن خمس سنوات خلال شهر إبريل من هذا العام، مع العلم أن كلهم من المسلمين.
ويقول: المياه هي إحدى المشكلات الأساسية التي يعانون منها في المنطقة حيث لا تتوفر الآبار، وقد وصل الحال ببعض الناس أنهم يسيرون أكثر من خمسين كيلو متر بحثاً عن الماء، وفي بعض مواقع اللاجئين رأيت الناس يصطفون إلى منتصف النهار لكي يحصلوا على إناء من الماء لا يكفيهم ليومٍ، وبسبب انعدام أبسط متطلبات الحياة البشرية انتشرت الأمراض كانتشار النار في الهشيم، مثل أمراض سوء التغذية حيث لا ترى إلا هياكل عظمية، وأمراض نقص البروتينات خاصة بين الأطفال، وهؤلاء تكون بطونهم منتفخة وبصورة عجيبة جداً، والأمراض الجلدية، كما انتشرت بينهم أمراض السل والملاريا والحصبة والإسهال.
يقول: على الرغم من أن اللاجئين الصوماليين في كينيا مسلمين (100%) إلا أن المنظمات التنصيرية غزت الساحة بصورة مذهلة جداً، فالنشرات التنصيرية أصبحت في أيدي الناس، وقد رأيت بنفسي بيد أحد الأطفال قصة مصورة باللغة الصومالية محتواها أن المسيح هو المخلص، أو المنقذ، ورأيت في مخيم آخر منصرة بريطانية تقدم مساعدات إغاثية للمتضررين، وتساعدهم في بناء منازلهم من القش، ولكي تستطيع أن تؤثر في نفوسهم سمت نفسها عائشة، ومن أبرز المنظمات التنصيرية العاملة في الميدان الصليب الأحمر، منظمة كير الكاثولوكية، منظمة أطباء بلا حدود الهولندية، منظمة أطباء بلا حدود الفرنسية، منظمة أوكسفام للإغاثة البريطانية، منظمة العون الأمريكي، منظمة الرؤية العالمية، منظمة الـ GTZ الألمانية إلى غيرها.
يقول: تحاول هذه المنظمات أن تعيق أعمال الهيئات الإسلامية وتعرقلها، ولكن {َيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:32] فعلى الرغم من هذا الزخم التنصيري المتلبس بلباس الإغاثة إلا أن الناس بحمد الله تعالى لا يزالون يشعرون بهويتهم الإسلامية، ويفرحون فرحاً شديداً إذا رأوا رجلاً مسلماً، ومن المواقف التي أسعدتني في مخيم العلواق أن الناس اجتمعوا حولنا، ولما أردت الخروج من بينهم دفع أحد الأطفال أخته الصغيرة وقال لها: ابتعدي من طريقه أتظنين أنه نصراني؟ إنه مسلم يقول: فأظهرت استنكاري لذلك لأحد العامة، فقال لي والأسى يعصر قلبه قال لي: لقد كنا في بادية الصومال نسأل الله عز وجل ألا يرينا يوماً من الأيام وجه كافر، وكان الناس لا يشربون في الإناء الذي شرب منه الكافر إلا بعد غسله بالتراب، ثم قال: أما الآن فأصبحنا نفرح بمشاهدتهم، ونجري وراءهم لنبحث عن لقمة العيش التي لم نجدها إلا منهم، ثم ذرفت عيناه وهو يقول: أين أنتم أيها المسلمون؟ ثم ذكر في آخر التقرير ما يحتاجه المسلمون هناك من المواد الغذائية بمختلف أنواعها، وخاصة حليب الأطفال المجفف، المياه النقية، وهذا يتطلب حفر الآبار، توفير الأطباء والأدوية، وتوفير الملابس والخيام.
ثم يقول الأخ: هذا نداء عاجل أبعثه باسم اليتامى الذين فقدوا آباءهم فلا تسمع إلا صراخهم، وباسم الثكالى اللاتي أنهكهن المرض فلا ترى إلا دموعهن، وباسم الشيوخ والعجزة الذين أسقطهم الجوع فلا تسمع إلا نحيبهم، باسم مسلمي الصومال الذين يموتون في كل ساعة وما من مجيب نداءٌ أبعثه إلى كل مؤمن بالله ويهمه أمر المسلمين، إلى كل مؤمن مصدق بقول النبي صلى الله عليه وسلم: {اللهم أعط منفقاً خلفاً} وبقوله صلى الله عليه وسلم: {ما نقص مالٌ من صدقة} اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.
وهناك تقارير كثيرة جداً عندي عن الصومال وإحصائيات وأرقام وصور يطول المجال بذكرها، فهذه أحد الأخبار المحزنة هناك، وبالمقابل حتى يزول حزنكم أذكركم بالخبر السار الذي حدث في السودان، حيث تمكنت الدفاعات والقيادات الإسلامية المقاتلة في جنوب السودان من إلحاق أقسى الهزائم بالنصارى المقاتلين هناك بقياد جون قرنق ومن يساعده من الغرب الصليبي الكافر، فتمكنوا من إسقاط مدينة توريت وهي المدينة التي كان يوجد فيها قرنق وتوجد فيها قيادته، وبسقوط هذه المدينة يكون المسلمون قد حرروا مناطق الجنوب كلها تقريباً، ولم يبق عليهم إلا تطهير بعض الجيوب، ومع ذلك يقول النصارى: نحن سوف نواصل القتال، ربما من خارج السودان.
فنحمد الله تعالى أن كلل نصر المسلمين هناك بهذه الانتصارات الكبيرة، وهناك أخبار مشجعة جداً عن توفيق الله للمسلمين المقاتلين هناك، بل عن أحوال المقاتلين وأنهم يفتحون تلك البلاد باسم الله تعالى، وأنهم من المؤمنين المحافظين على الصلوات، المقيمين لحدود الله عز وجل، فندعو الله عز وجل أن ينصرهم نصراً مؤزراً وأن يحفظهم من كيد عدوهم في الداخل والخارج.