خطورة البث المباشر

إن بعض هذه القنوات وبعضها تستقبل أكثر من خمس وأربعين محطة، فتستقبل محطة إسرائيل مثلاً، تستقبل القناة الفرنسية، تستقبل قنوات تنصيرية، تستقبل قنوات تبث الدعارة، تبث الرذيلة، تبث الفساد، تبث الانحلال، فضلاً عن أنها تستقبل قنوات رياضية، وقنوات علمية، وقنوات تعليمية، وقنوات إخبارية، وقنوات اقتصادية هذا كله صحيح، ولكن: أولاً: كم حجم المعنيين بالأخبار في مجتمعنا؟ أطرح سؤالاً آخر: هل مجتمعنا بلغ من الوعي والإدراك والحرص على تتبع الأخبار أولاً بأول ومعايشتها إلى هذا الحد؟ في تقديري بأن الأمر ليس كذلك، وأن مجتمعنا ربما يعيش أحياناً حالةً من الأمية في معرفة الأخبار، وحاجة إلى توعية كبيرة، وأن هناك تعتيماً كبيراً على هذا المجتمع ورَّث تخلفاً في الوعي الإخباري، والحرص على تتبع الأخبار سواء كانت علمية أو اقتصادية أو تربوية أو تعليمية أو رياضية أو سياسية أو غير ذلك.

إن من المؤكد أن الدافع لدى الأغلب هو أمرٌ آخر غير ذلك، والإنسان بطبيعته قد يحب مشاهدة المشاهد المثيرة والمشاهد المغرية، وإذا لم يكن لديه رادع ديني وإيمان وخوف من الله عز وجل، فإن العين تطمح والبصر ينطلق، لهذا أدبنا الله عز وجل بقوله: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:30-31] ورسولنا صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة: {العين تزني وزناها النظر} فأنا أعتقد أن الكثيرين أو أن عدداً غير قليل -وأحب أن أكون صريحاً مع من يستمعون إليَّ- أعتقد أن أكثر من يقتنون هذه الأجهزة الهوائية، أنهم يمارسون ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وما نهى عنه الله عز وجل، فتطمح أبصارهم إلى رؤية ما لا يرضي الله سبحانه وتعالى.

نحن جميعاً بشر، ونحن من طينة واحدة، ومن طبيعة واحدة، والمشاعر الموجودة عندك موجودة عندي، والطموحات الموجودة عندك موجودة عند زيد وعُبيد من الناس، فليست القضية سراً وكون الشباب يقبلون على المجلة التي تعرض صورة امرأة جميلة، بل كون المجلات تختار أجمل النساء وتعرضها على غلافها يعني أن الجميع يعرفون أن الإنسان وخاصةً الشباب تغريه صورة المرأة الجميلة.

إذاً الكثير ممن يقتنون هذه الهوائيات ويستقبلون بها المحطات العالمية وتلفزيونات العالم، هم يبحثون عن شيءٍ آخر غير مجرد الأخبار، وعلى سبيل المثال هناك قناة عربية، بل لا أفشي سراً إذا قلت إنها قناة سعودية يملكها رجال من أهل هذا البلد وتسمى (الإم بي سي) او تلفزيون الشرق الأوسط، تبث من لندن، وتلتقط في كل مكان من هذه البلاد، بل قبل فترة كان التلفزيون السعودي نفسه يلتقط الأخبار منها ويذيعها عبر فقراته مباشرةً فيشاهدها كل إنسان، فماذا في هذه القناة؟ يقولون: إن المقصود منها نقل الصورة الإسلامية ونقل الصورة العربية … إلخ، نجد في هذه القناة عروض أزياء لنساء كاسيات عاريات فاتنات مفتونات، رقصات، أخبار من أنحاء العالم، أمور تتعلق بما يسمى بالفلكلور الشعبي، أو أخبار تتعلق بالفنون الشعبية من كل بلد من مصر أو سوريا أو الشام أو غيره أو من هذه البلاد، وقد تذيع القرآن الكريم، وقد تنشر أحياناً معلومات معينة، لكن هذا قليل من كثير بالقياس إلى فترة الإرسال التي تبثها تلك القناة.

فإذا كان هذا الكلام في قناة عربية يملكها أناس عرب ومسلمون، فما بالك بالقنوات العالمية؟! فما بالك بالقنوات الفرنسية؟! وعلى سبيل المثال في تونس يلتقطون القنوات الفرنسية، وقد نشر قبل سنوات في جريدة المسلمون تحقيقاً عنها تحدث عن أنها تتاجر صراحةً بالأعراض، وتغري الناس بعرض الفساد الخلقي بلا رتوش، وبلا سواتر، وبلا حياء، ليست القضية الآن قضية امرأة أو رجل أو قبلة أو كلام، حتى الرذيلة والجريمة والفاحشة تعرض عليك! فهل بلغ الحال بالمسلمين في هذه البلاد الطاهرة بلاد الحرمين الشريفين أن يشتري أحدهم بمائة ألف ريال صحناً أو طبقاً يركبه في بيته؟! يقول: يتابع الأخبار، فهل زوجتك، وابنتك المراهقة، وولدك المراهق يتابعون الأخبار؟! وأنت تعرف أن ولدك يقضي جل وقته في التفحيط، ولو طلبت منه أن يذكر لك عواصم الدول الكبرى ما ذكرها لك، ولو طلبت منه أن يتكلم عن البلاد التي يعاني المسلمون فيها من المصائب ما يعانون لاعتذر وقال لك: أنا مشغول، ولدك الفاشل الذي رسب في الامتحان مثلاً تأتي له بهذا من أجل أن يتابع الأخبار، أطفالك تربيهم على عوائد النصارى واليهود، وتقول: يتابعون الأخبار!! كنا بالأمس نعرب عن أحزاننا من التلفاز، وبالذات من القناة الثانية، وما يعرض فيها من الأمور التي لا يرضاها الله ولا رسوله، ولا يرضاها المؤمنون لأنفسهم، وهي تزداد يوماً بعد يوم، فإذا بنا نفاجأ بهذا الخطر الداهم الذي أصبح يقتحم البيوت من أعاليها، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015