خطر التسويف

فرحم الله امرءاً تنبه لنفسه، وتذكر أنه يمر عليه اليوم بعد اليوم، والعام بعد العام، حتى يقال: فلان مات، ولو نظرنا -أيها الأحبة- في عدد الحضور الآن، وقدرناهم بثلاثمائة أو أربعمائة إنسان أو أقل أو أكثر، وهؤلاء الأربعمائة لو قدر للإنسان أن يطلع على ما كتب لهم في مقاديرهم وآجالهم؛ لربما وجدنا من بيننا من كتب أنه سيموت هذا الأسبوع، ومنا من كتب أنه سيموت هذا الشهر، ومنا من كتب أنه سيموت هذه السنة، ومنا من كتب أنه سيموت في هذا العقد، ولا شك في هذا مطلقاً ولا بد منه، لكن من يدري: {فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} [يونس:20] لكن على العاقل أن يفترض أن الأمر سيقع به هو: فحذار حذار من التفريط والتسويف والإهمال والتعلق بالآمال، فإنها لا تغني عن العبد شيئاً.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه: {أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بمنكبه وقال له: كن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابر سبيل} والغريب: هو إنسان أتى إلى بلد يريد أن يقيم فيها أسبوعاً أو أسبوعين ثم يرتحل، فهل عهدتم أن الغريب يشتري بيتاً فخماً وسيارة فخمة، ويتوظف ويعمل ويشتغل ويبني ويمد الحبال الطويلة؟ كلا! بل الغريب يقتصر على الأشياء اليسيرة، ولو أتيت إلى إنسان في رمضان -مثلاً- أو في الحج فتقول له: يا أخي استأجر بيتاً وأثث هذا البيت وافرشه وضع فيه مكيفات وثلاجات وغسالات.

فسوف يضحك عليك ويقول: يا سبحان الله! كأنني سوف أجلس سنة أو سنتين، كل مقامي في مكة شهر أو أسبوع أو أسبوعان ثم أغادر.

ثم أضربَ عن ذلك عليه السلام وقال: {أو عابر سبيل} وعابر السبيل ربما كان أشد من الغريب؛ لأن الغريب قد يجلس فترة، لكن عابر السبيل لا يجلس إلا يوماً أو أقل من ذلك، ثم يستمر في طريقه وسفره، وكان ابن عمر رضي الله عنه يقول: [[إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لسقمك ومن حياتك لموتك]] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015