صحبة الفتيان والقراء

ومما يعجب في هذا الكتاب: أن المصنف رحمه الله ذكر في صفحة [89] كلمة أو كلمات إحداها، قول سفيان الثوري: " لأن أصحب فتى أحب إليَّ من أن أصحب قارئاً " وذكر رواية قال: زار عبد الله بن المبارك رجلاً من أهل نيسابور، ينسب إلى الزهد والتقشف، فلما دخل عليه فلم يقبل عليه الرجل - وابن المبارك هو من هو إمام الدنيا- ولم يلتفت إليه، فلما خرج ابن المبارك، أُخبر الرجل بما كان، وأُعلم أنه عبد الله بن المبارك، فخرج إليه يعتذر ويتنصل وقال: يا أبا عبد الرحمن! اعذرني وعظني- اعذرني من التقصير في استقبالك- قال: له ابن المبارك، نعم! إذا خرجت من منزلك؛ فلا يقع بصرك على أحد، إلا أُريت أنه خير منك، وذلك أن ابن المبارك رآه معجباً بنفسه، ثم سأل عنه فإذا هو حائك.

قال: وعن سفيان قال: " من لم يتفت لم يتقرأ " قال أبو سليمان يشرح هذه الكلمة - إن من عادة الفتيان ومن أخذ بأخذهم، بشاشة الوجه وسجاحة الخلق، ولين العريكة، ومن شيمة الأكثرين من القراء، الكزازة وسوء الخلق، فمن انتقل من الفتوة إلى القراءة؛ كان جديراً أن يتبقى معه تلك الذوقة والهشاشة، ومن تقرأ في صباه، لم يخلُ من جفوة أو غلظة…" إلى آخر ما قال.

والحقيقة أن هذا الكلام وإن كان ليس على إطلاقه، فلا شك أن في صغار طلاب العلم من فيهم من لين العريكة وسجاحة الخلق، والهشاشة والبشاشة الشيء الكثير، إلا أن له رصيد من الواقع، وإنما سقته حتى ينتبه الإخوة إلى هذا الأمر، ويباعدوا أنفسهم عن مثل هذه الخصال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015