أسباب شرح الصدر

فمن المختارات في صفحة [23] من الجزء الثاني، ذكر المصنف رحمه الله! فصلاً طويلاً مفيداً، في أسباب شرح الصدور، وأن النبي صلى الله عليه وسلم حصل على الكمال من شرح الصدر، وذكر من هذه الأسباب: التوحيد وعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكون انشرح صدر صاحبه، وذكر منها: النور الذي يقذفه الله في قلب العبد، وهو نور الإيمان، فإنه يشرح الصدر ويوسعه، ويفرح القلب، فإذا فقد هذا النور من قلب العبد، ضاق وحرج وصار في أضيق سجن وأصعبه، ومنها: العلم فإنه يشرح الصدر ويوسعه، حتى يكون أوسع من الدنيا، والجهل يورثه الضيق والحسرة والحبس، فكلما اتسع علم العبد انشرح صدره، وليس هذا لكل علم! بل للعلم الموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو العلم النافع، فأهله أشرح الناس صدراً، وأوسعهم قلوباً، وأحسنهم أخلاقاً، وأطيبهم عيشاً.

ومنها: الإنابة إلى الله سبحانه وتعالى، ومحبته بكل القلب، والإقبال عليه والتنعم بعبادته، فلا شيء أشرح لصدر العبد من ذلك، حتى إنه ليقول أحياناً: إن كنت في الجنة في مثل هذه الحالة، فإني إذاً لفي عيش طيب! وللمحبة تأثير عجيب في انشراح الصدر، وطيب النفس، ونعيم القلب، لا يعرفه إلا من له حس به، وكلما كانت المحبة أقوى وأشد كان الصدر أفسح وأشرح.

ثم قال: " ومن أسباب شرح الصدر: دوام ذكره على كل حال، وفي كل موطن".

ومنها: الإحسان إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال والجاه، والنفع بالبدن، وأنواع الإحسان، فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدراً، وأطيبهم نفساً وأنعمهم قلباً، ومنها الشجاعة: فإن الشجاع منشرح الصدر، واسع البطان، منكسر القلب ".

ثم قال ضمن الشجاعة: فحال العبد في القبر، كحال القلب في الصدر، نعيماً وعذاباً وسجناً وانطلاقاً، ولا عبرة بانشراح صدر هذا لعارض، ولا بضيق صدر هذا لعارض، فإن العوارض تزول بزوال أسبابها.

ثم قال: ومنها بل من أعظمها: إخراج دغل القلب من الصفات المذمومة، التي توجب ضيقه وعذابه، وتحول بينه وبين حصول البُرء.

ومنها: ترك فضول النظر، والكلام، والاستماع، والمخالطة، والأكل، والنوم، فإن هذه الفضول تستحيل آلاماً وغموماً وهموماً في القلب، تحصره وتحبسه وتضيقه ويتعذب بها، بل غالب عذاب الدنيا والآخرة منها، فلا إله إلا الله ما أضيق صدر من ضرب في كل آفة من هذه الآفات بسهم.

وما أنكد عيشه، وما أسوأ حاله، وما أشد حصر قلبه! ولا إله إلا الله، ما أنعم عيش من ضرب في كل خصلة من تلك الخصال المحمودة بسهم، وكانت همته دائرة عليها، حائمة حولها! إلى آخر ما قال رحمه الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015