وفي صفحة [296] ربما كنت قد ذكرت بعض هذه الأشياء سابقاً ذكر المصنف مسألة تعدد القصة، فأحياناً توجد رواية فيها قصة، اختلف الرواة فيها على أوجه عديدة، فمثلاً: هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل الكعبة أو لم يصلِّ؟ قال بعضهم: صلى، وقال بعضهم: لم يصلِّ.
وقال بعضهم: يحمل هذا على تعدد القصة، بأن يكون دخل مرة وصلى، ودخل مرة ولم يصلِّ قال المصنف رحمه الله في صفحة [296] " فقيل: كان ذلك دخولين، صلى في أحدهما، ولم يصلِّ في الآخر، وهذه طريقة ضعفاء النقد؛ كلما رأوا اختلاف لفظ، جعلوه قصة أخرى، كما جعلوا الإسراء مراراً لاختلاف ألفاظه، وجعلوا اشتراءه من جابر بعيره مراراً، لاختلاف ألفاظه، وجعلوا طواف الوداع مرتين لاختلاف سياقه ونظائر ذلك.
وأما الجهابذة النقاد؛ فيرغبون عن هذه الطريقة، ولا يجبنون عن تغليط من ليس معصوماً من الغلط، ونسبته إلى الوهم.
قال البخاري وغيره من الأئمة والقول قول بلال، لأنه مثبت شاهد صلاته، بخلاف ابن عباس، والمقصود: أن دخوله صلى الله عليه وسلم البيت إنما كان في غزوة الفتح، لا في حجه ولا في عُمَرَهِ، وفي صحيح البخاري عن إسماعيل بن أبي خالد قال: [[قلت لـ عبد الله بن أبي أوفى: أدخل النبي صلى الله عليه وسلم في عمرته البيت؟ قال: لا]] وقالت عائشة: {خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندي وهو قرير العين، طيب النفس، ثم رجع إليَّ وهو حزين القلب، فقلت: يا رسول الله! خرجت من عندي وأنت كذا وكذا، فقال: إني دخلت الكعبة، وودت أني لم أكن فعلت، إني أخاف أن أكون قد أتعبت أمتي من بعدي} .
فهذا ليس فيه أنه كان في حجته، بل إذا تأملته حق التأمل، أطلعك التأمل على أنه كان في غزاة الفتح، والله أعلم، وسألته عائشة أن تدخل البيت، فأمرها أن تصلي في الحجر، ركعتين.