وفي صفحة [343/344] ذكر مضرة المبالغة والغلو، وهو يتكلم عن مسألة الأسماء، فإنه في هذا الفصل ذكر النهي عنه التسمي بيسار، وأفلح ونجيح ورباح وغيرها، وذكر أنه أحياناً قد يسمى الشخص باسم لا يليق به، فقد يسمى الشخص محيي الدين وهو عدو لله ولرسوله، وقد يسمى سراج الإسلام وهو يسعى في إطفاء نور الله في الليل والنهار، وقد يسمى بعبد الله عز وجل أو بعبد الرحمن أو بعبد الرحيم، وهو لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولكن التعبيد من حيث الأصل مشروع تسميته بذلك؛ وإنما الألقاب والكنى، مثل: سراج الملة، وركن الدين، ومحيي الإسلام، وما أشبه ذلك، هذه لا تنبغي.
فقال: " اقتضت حكمة الشارع، الرؤوف بأمته، الرحيم بهم؛ أن يمنعهم من أسباب توجب لهم سماع المكروه أو وقوعه، وأن يعدل عنها إلى أسماء تُحَصِِّل المقصود من غير مفسدة، هذا أولى، مع ما ينضاف إلى ذلك من تعليق ضد الاسم عليه، بأن يسمى يساراً من هو من أعسر الناس، ونجيحاً من لا نجاح عنده، ورباحاً من هو من الخاسرين، فيكون قد وقع في الكذب عليه وعلى الله، وأمر آخر أيضاً وهو أن يطالب المسمى بمقتضى اسمه؛ فلا يوجد عنده " أي: ينتظر الناس منه أن يكون على اسمه، وأن يكون اسماً وافق مسماه ولفظاً طابق معناه، فيجدون النقيض، قال: فيجعل ذلك سبباً لذمه وسبه كما قيل: سموك من جهلهم سديداً والله ما فيك من سداد أنت الذي كونه فساداً في عالم الكون والفساد فتوصل الشاعر بهذا الاسم إلى ذم المسمى به ولي من أبيات: وسميته صالحاً فاعتذى بضد اسمه في الورى سائرا وظن بأن اسمه ساتر لأوصافه فغدا شاهرا وهذا كما أن من المدح ما يكون ذماً موجباً لسقوط مرتبة الممدوح عند الناس، فإنه يمدح بما ليس فيه، فتطالبه النفوس بما مدح به، وتظنه عنده؛ فلا تجده كذلك، فتنقلب ذماً! ولو ترك من غير مدح لم تحصل له هذه المفسدة، ويشبه حاله؛ حال من ولي ولاية سيئة ثم عزل عنها؛ فإنه تنقص مرتبته عما كان عليه قبل الولاية، وينقص في نفوس الناس، عما كان عليه قبلها، وفي هذا قال القائل: إذا ما وصفت امرءاً لامرئٍ فلا تغلُ في وصفه واقصِدِ فإنك إن تغلُ تغل الظنون فيه إلى الأمد الأبعد فينقص من حيث عظمته لفضل المغيب على المشهد وهذا معنىً لطيف، يعني أنه: إذا مُدِحَ لك إنسان -وقيل: والله لو رأيت فلاناً لرأيت العقل والخلق والدين والعبادة وكذا وكذا- لعظم في عينك، فإذا رأيته ربما نقص عما كان، لأن المبالغة في المدح أولاً: أورثت النقص عندك، ثانياً: نسبته إلى ما ذكر، ولذلك قال: " وعلى هذا فتكره التسمية بـ: التقي، والمتقي، والمطيع، والطائع، والراضي، والمحسن، والمخلص، والمنيب، والرشيد، والسديد.
وأما تسمية الكفار بذلك، فلا يجوز التمكين منه، ولا دعاؤهم بشيء من هذه الأسماء، ولا الإخبار عنهم بها، والله عز وجل يغضب من تسميتهم بذلك.