أيها الإخوة: مرَّ على المجتمعات الإسلامية في هذا العصر وقت من الأوقات، ربما نستطيع أن نقول: إن غالبية الناس في تلك المجتمعات، كانوا وسطاً، ليس لديهم صلاح ظاهر متميز، واستقامة وحرص على الدعوة، كما أنه ليس لديهم انحراف ظاهر -أيضاً- وعداوة للإسلام.
فغالبية الناس متوسطون، يصلون الصلوات الخمس -هذا في وقتٍ ليس بالبعيد في أكثر المجتمعات الإسلامية- ويؤدون الزكاة، ويحافظون على الأعراض، لكن ليس لديهم غيرة على الإسلام، ولا حماس للدين، ولا انطلاق في الدعوة، ثم مني العالم الإسلامي بعدد من النكبات والنكسات، والدعوات المضللة، من شيوعية إلى علمانية إلى قومية إلى بعثية إلى غيرها، ومني بتجارب مريرة في مجال السياسة والاقتصاد وغيرها، ومني -أيضاً- بالاستعمار العسكري الذي سيطر على معظم البلاد الإسلامية، فحاول مسخ المسلمين، وتحويلهم عن دينهم إلى أديان أخرى، ثم جاءت هذه الصحوة الإسلامية المباركة التي يعيشها المسلمون اليوم.
ولذلك أصبحت تجد -عياناً- أن المجتمعات الإسلامية اليوم، بدأت تتحول تدريجياً إلى التميز الذي ورد الإخبار عنه في حديثٍ عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه أشار أنه في آخر الزمان وقبل قيام الساعة، يتحول الناس إلى معسكرين، معسكر إيمان لا نفاق فيه ومعسكر نفاق لا إيمان فيه، الآن بدأ هذا التميز وبدأت بوادره، فأصبح كثير من الناس يتجهون اتجاهاً إسلامياً صحيحاً عن علم ومعرفة ووعي وقناعة بالدين، فيضحون في سبيل الدين بالغالي والنفيس، ويختارونه على علم، ويبذلون في سبيله الوقت والمال والإمكانيات والجهود وكل ما يستطيعون، ويتحملون في سبيله الأذى والتعب.
وفى مقابل ذلك، تجد أن هناك جموعاً من المنسلخين عن جسم هذه الأمة، الذين رضوا لهم اسماً آخر غير اسم الإسلام، الذي سماهم به الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم قال الله: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا} [الحج:78] رضوا أن يكونوا شيوعين -مثلاً- أو علمانيين أو ملحدين أو زنادقة، أو أي أمر آخر غير الإسلام، هؤلاء اختاروا طريقهم -أيضاً- عن عمد وبوضوح، وصاروا يضحون في سبيله، ويتعبون من أجله، ويدعون إليه.
إذاً: أصبح المجتمع يتميز إلى معسكر إيمان عن وعي وبصيرة، ومعسكر نفاق أو ضلال -أيضاً- عن معرفة وإدراك وإصرار مسبق، وموقع الوسط الذي كان بالأمس يشغله أكثر الناس، بدأ ينقص ويتآكل تدريجياً، فبعض الناس تتجه نحو الإسلام عن وعي، وبعضهم يتجه إلى الضلال والانحراف عن وعي وتعمد وإصرار أيضاً، أما الوسط فيقل شيئاً فشيئاً، وربما يأتي يوم من الأيام لا تجد في أي مجتمع إسلامي شخصاً تستطيع أن تقول: إنه متوسط، ليس مؤمناً إيماناً حقاً ولا عدواً للإسلام، قلَّ أن تجد شخصاً كهذا.
وهذا نموذج للصراع بين الحق والباطل وبين الإسلام والكفر والهدى والضلال.