أحبتي الكرام: هناك أماكن اختارها الله عز وجل واصطفاها واختصها، وهي أماكن كثيرة جداً، أذكر شيئاً منها، وبعض ما ورد في فضل هذه الأماكن بإيجاز واختصار، لأن الموضوع مهم وطويل.
فالله عز وجل اختار مكة والحرم من حولها، كما قال الله عزوجل: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} [آل عمران:96-97] .
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم، فيما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا} .
فلا يجوز السفر إلى بقعة في الدنيا كلها بقصد العبادة، إلا لهذه الأماكن الثلاثة، لأن الله اختارها وجعل الصلاة فيها أفضل من الصلاة في غيرها.
ومثله في فضل مكة: ما رواه البخاري ومسلم عن أبي شريح العدوي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن مكة حرَّمها الله عز وجل، ولم يحرِّمها الناس} وفي حديث ابن عباس أيضاً: {إن مكة حرَّمها الله عز وجل يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام لا يحل لأحد أن يسفك بها دماً، فإن أحد ترخَّص بقتال النبي صلى الله عليه وسلم، فقولوا: إن الله عز وجل أذن لنبيه ولم يأذن لكم} .
ومن المواقف الطريفة والعجيبة في فضل مكة: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أُخرج منها في الهجرة، بعد أن آذاه كفار قريش واضطهدوه، واضطروه إلى الخروج من مكة، خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، وكانت آنذاك بلداً صغيراً محدوداًَ، ربما في حدود الحرم اليوم وما حوله، فلما تجاوزها النبي صلى الله عليه وسلم، وصار إلى الشمال الشرقي منها، ربما في المكان الذي توجد فيه الأسواق اليوم، التفت إلى مكة وهو يبكي عليه الصلاة والسلام يقول مخاطباً مكة التي أحبها، قال: {والله إنك لخير بلاد الله، وأحب بلاد الله إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت} والحديث رواه الترمذي وهو حديث حسن.
ومثله ما رواه البخاري أيضاً: {أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما جعل زوجه وابنه إسماعيل في مكة، وذهب وتركهم لحقت به زوجته تقول له: يا إبراهيم، إلى أين تذهب وتدعنا في هذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ وهو لا يجيب، فلما رأت إصراره قالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم.
قالت: إذاً لا يضيعنا.
فرجعت إلى ولدها، فجاءهم جبريل عليه الصلاة والسلام، فقال لهم: لا تخافوا الضيعة، فإن هاهنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه} .
إذاً وهذا وصية من جبريل عليه السلام لأهل بيت الله وأهل حرمه، وسكان أرضه وبلاده الطاهرة الطيبة المقدسة المباركة، لا تخافوا الضيعة فإن هاهنا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه.