فضل المدينة

المدينة المنورة -مثلاً- يقول النبي صلى الله عليه وسلم، فيما رواه أنس بن مالك وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {المدينة حرام، ما بين كذا إلى كذا وذكر موضعين، وفي رواية: ما بين عير إلى ثور المدينة حرام ما بين كذا إلى كذا، فمن أحدث فيها حَدَثاً، أو آوى فيها مُحْدِثاً فعليه لعنة الله، والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله تعالى منهم صرفاً ولا عدلاً} هذا من فضل المدينة المنورة، كما جاء في حديث سهل بن حنيف أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم أهوى بيده إلى المدينة، وأشار إليها بيده وقال: {المدينة حرم آمن} والحديث في صحيح مسلم.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا يصبر أحد على لأواء المدينة وجهدها، إلا كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة} وهو في صحيح مسلم، وذلك لأن المدينة فيها حُمَّى، قد تصيب بعض الذين يهاجرون إليها، أو يقيمون فيها، أو يسكنون بها، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: {لا يصبر أحد على تعب المدينة وحمَّاها ولأوائها وجهدها إلا كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة} .

ولذلك -أيضاً- يقول صلى الله عليه وسلم، كما في حديث أبي هريرة وهو في صحيح مسلم: {المدينة كالكير تنفي خبثها} وفى رواية: {تنفي خبث الناس كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب} .

فإن المنافق لا يكاد أن يقر له بالمدينة قرار، ولا يكاد أن يطيب له فيها دار، فهو فيها كالسجين، كالطير في القفص يحاول الفرار منها.

ولما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس في آخر الزمان يخرجون من المدينة إلى الشام وإلى العراق وإلى غيرها، قال عليه الصلاة والسلام: {المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون} كما في حديث سفيان بن أبي زهير، وهو حديث متفق عليه.

ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة المتفق عليه أيضاً: {أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون يثرب وهي طابة؛ تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب} .

إذاً الرسول صلى الله عليه سلم أُمر بأن يهاجر إلى مدينة طيبة مباركة مشرفة، وهي: المدينة النبوية، تأكل القرى، يسمونها يثرب، كما قال المنافقون: {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا} [الأحزاب:13] وهي كما سماها النبي صلى الله عليه وسلم طابة.

ولعل من فضل المدينة ومكة: ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، أنه إذا جاء المسيح الدجال لا يستطيع أن يدخل مكة ولا المدينة، ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {على أنقاب المدينة ملائكة يحرسونها، لا يدخلها الطاعون ولا الدجال} .

وهذا الحديث متفق عليه.

{على أنقاب المدينة -أي: أبوابها وطرقها- ملائكة يحرسونها لا يدخلها الطاعون} أي: مرض الطاعون كوباء، فإنه لا يدخل المدينة، بمعنى: أن أهل المدينة لا يصيبهم الطاعون وباءً عاماً ينتشر ويفشو فيهم كما يفشو في البلاد الأخرى.

وكذلك الدجال لا يستطيع أن يدخل المدينة.

قال صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي بكرة: {لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال، لها يومئذ سبعة أبواب، على كل باب ملكان يحرسانها} .

وفي الحديث الثالث: وهو حديث أنس رضي الله عنه­، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {ليس بلد إلا وسيطؤه الدجال، -ليس بلد في الدنيا كلها إلا سيطأه الدجال- إلا مكة والمدينة، فإنه لا يطؤهما ولا يستطيع أن يدخل إليهما، لكن ينزل في سبخة من السباخ القريبة من المدينة، فترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج إليه فيها كل كافر ومنافق} .

إذاً قوله عليه الصلاة والسلام: {فيخرج إليه كل كافر ومنافق} دليل على أنه هذا درس وعبرة كبيرة -أيها الأحبة- أنه حتى في الزمان الذي يخرج فيه الدجال، وهو أكثر الزمان ظلمةً وقترةً وسواداً وفساداً وفتنة، حتى في ذلك الوقت يكون في المدينة المنورة، وفي جزيرة العرب، أناس كثيرون يحتاجون إلى النفاق، لماذا يحتاجون إلى النفاق؟ لماذا لم يجاهروا بكفرهم وردتهم وفجورهم؟ ذلك لوجود الخير، ووجود الشوكة للمؤمنين، والصالحين، والطيبين.

ولذلك حتى في زمان الدجال؛ المنافقون مستترون في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يستطيعون أن يُظْهِروا رءوسهم، أو يخافون على مصالحهم، ولذلك يستترون فإذا جاء الدجال كشفوا عن مقاصدهم ومآربهم، وكشروا عن أنيابهم، وخرجوا إلى الدجال في سبخة من السباخ المحيطة بالمدينة.

ويكفي المدينة شرفاً وفضلاً وبهاءً ومكانة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن فيها بقعة من بقاع الجنة.

ولذلك قال عليه الصلاة والسلام، كما في حديث عبد الله بن زيد المتفق عليه: {ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة} وفي الحديث الآخر: {ومنبري على حوضي} فالرسول عليه الصلاة والسلام ذكر أن هذه البقعة المشرفة من مسجده صلى الله عليه وسلم أنها روضة من رياض الجنة، وهي اليوم تسمى: الروضة النبوية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015