أما البنات، فقد تكون البنات أيضاً من الفتيات الصالحات، الدينات الصينات، والكريمات العفيفات، وما أكثرهن بحمد الله! وما أطيب الحديث عنهن! فهؤلاء النساء الطيبات، تجد أن الواحدة متعففة ومتحجبة، إن خرجت لا تخرج إلا لحاجة للحرم، أو لحاجة لا بد منها، فإذا خرجت تجدها بعيدة عن الزينة والطيب، وتجدها تلبس القفازين في يديها، وجوارب في رجليها، وعباءة فضفاضة، وتستر وجهها بغطاءٍ طويل، وتبعد عن الرجال وأماكن ازدحامهم، وتذهب لتصلي أو تعبد الله، أو تسأله أو ترجوه، أو تخرج لحاجةٍ لا بد لها منها، وتحرص على أن لا تخرج إلا ومعها أحد، يبعد عنها الأعين النهمة، والذئاب الجائعة، والسباع الضارية، فإن كانت بناتك من هذا الصنف فالحمد لله.
أما إن كنتَ تعلم أن بناتك لسن كذلك، أو كنت ممن يحسن الظن ببناته وأولاده، فيظن أنه لا أطيب ولا أحسن منهن، ولا يدري ما الأمر عليه فهذه مصيبة.
فبعض الفتيات -هداهن الله- يخرجن إلى الأسواق كثيراً، ويتجولن في الدكاكين والمحلات، ونحن جميعاً نعرف مكة وأزقتها، وشوارعها الضيقة، بعض الأماكن التي توجد فيها الدكاكين في مكة، لو التقى فيها اثنان لتضايقا، والدكاكين أضيق وأضيق، مع أنها أماكن ازدحام، وأوقات ازدحام، وفيها كثرة، وكثيرٌ ممن فيها إنما هم يتسكعون فقط، ليسوا يتسوقون لغرض، وإنما يذهبون إما للفرجة، وإما لأغراضٍ أخرى، فيحصل من جراء ذلك الازدحام، وتلاصق الأجساد وتلامسها، وبعض المغرضين ومرضى القلوب يجدون في ذلك بغيتهم وضالتهم، وقد رأينا وسمعنا واطلعنا من ذلك على أمور يندى لها الجبين، ويستحي الإنسان من ذكرها، والحمد لله على ستر الله، ولكننا ننبه الإخوة من أولياء الأمور والشباب، وننبه النساء والفتيات أيضاً إلى ضرورة الحذر من ذلك كل الحذر.
وبعض الفتيات قد تذهب للحرم، ولكنها تذهب متزينة متطيبة، فتفتن الناس، وتفتن الشباب، وقد رأيت بعيني مجموعات من الشباب، شدوا أحزمتهم وحقائبهم، وأزمعوا الرجوع من مكة، فقلت لهم: لماذا ترجعون بعد أن أصبح الناس يأتون؟ قالوا: لا قبل لنا بما نرى من هذه الفتن، التي هي كقطع الليل المظلم، نريد أن نخرج ونعود إلى بلادنا.
فهؤلاء الشباب، تُحرك الشهوات في قلوبهم، وتُثار كل الغرائز في نفوسهم، ويُصدون عن الحرم وعن البيت العتيق، ويُمنعون من العبادة والذكر بسبب فتاةٍ مراهقة لم ترزق ديناً يردعها، ولم ترزق ولياً يُعلِّمها ويقوم عليها، فأصبحت تتزين وتتطيب، وتخرج إلى الأماكن وإلى الأسواق، بل وإلى الحرم، فتزاحم الناس في المطاف، وفي أوقات الازدحام والضيق، والإنسان ربما لا يلجأ إلى المطاف في مثل تلك الأوقات إلا لطوافٍ واجب لابد منه.
أما الطواف النفل فيتحرى له الأوقات التي لا يكون فيها ازدحام، ولا يكون فيها ضيق، ولا يكون فيها كثرة من النساء، أما أن امرأة فتاة شابة، تطوف في أوساط الرجال وبينهم، فمثل تلك الأوقات ما أظن أن هذا مما يتقرب به إلى الله تعالى، خاصةً إذا علمنا ما بُليَ به الناس اليوم من كثرة الفتن والشهوات والمغريات، فليتقِ الله أولئك النساء، وليتقِ الله أولياء أمورهن.
وكذلك بعض الفتيات قد تفعل ما يفعله الشباب، فتعاكس بالهاتف من خلال كبينات الهاتف الموجودات حول الحرم أو غيرها، وقد تركب مع أجنبيٍ عنها، وقد ترتكب ما نهى الله عنه، وقد تعاكس بعض الشباب في الشوارع، أو من خلال البلكونات، أو من خلال النوافذ، أو من خلال وسائل أخرى غير هذه، أو ترمي عليه رقم هاتف أو رسالة أو ما أشبه هذا، فهؤلاء لم يذهبن للأجر، ولكن كما قال الشاعر: من اللائي لم يحججن يبغين حجةً ولكن ليقتلن البريء المغفلا أين تقوى الله؟! أين خوف الله؟! أين مراقبة الله؟! ومثله المزاحمة عند أبواب الحرم دخولاً وخروجاً؛ لأن الناس يخرجون دفعةً واحدة، عند صلاة المغرب، وبعد صلاة التراويح، وفي سائر الأوقات، وبعد صلاة الفجر أيضاً، ويكون هناك ازدحام بين الرجال والنساء، وليس هناك فاصلٌ بينهم، بل في كثير من الأحيان يلتقون في بابٍ واحد، ويقع ازدحام وتلاصق بالأجساد.
فالحياء والدين والورع وخوف الله تعالى يمنع الإنسان من مقارفة ذلك كله، أو القرب منه، وينأى ويبعد بنفسه وبمن تحت يده من المحارم والنساء، خاصةً من الفتيات الشاباب وكذلك الفتيان الشباب، يبعدهم عن ذلك كله، فإن الشيطان يجر أقدام الجميع رجالاً ونساءً إلى ما يسخط الله تعالى، والشيطان لا يستحي من أحد، ولا يوقر أحداً، ولا يرعى حرمة للبيت العتيق ولا لغيره.