الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر

مثلاً: في معركة بدر كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقود قلة قليلة لا تتجاوز الثلاثمائة أمام جحفل من جحافل الكفر، يزيد على الألف مدججين بألوان السلاح، ومع ذلك عرف الرسول صلى الله عليه وسلم: أنه لن ينتصر على هذه الكثرة الكافرة لا بعدد ولا بعدة ولا بقوة ولا ببأسه، وإنما ينتصر عليهم بعون الله تبارك وتعالى.

ولهذا بنوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشاً، فكان يدعو ويرفع يديه إلى السماء، ويقول: {اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعد اليوم، اللهم أسألك وعدك ونصرك} حتى سقط رداؤه عن منكبه عليه الصلاة والسلام، من شدة دعائه وافتقاره وابتهاله إلى الله سبحانه وتعالى؛ حتى جاءه أبو بكر رضي الله عنه والتزمه من خلفه، وقال له: {يا رسول الله، كفاك مناشدة ربك فإن الله تعالى منجز لك ما وعد} فلما رأى أبو بكر ابتهال الرسول صلى الله عليه وسلم وصدق لجوئه إلى الله عز وجل عرف أن النصر آت لا محالة!! ليس لأن عدونا كذا، ولا لأن قوتنا كذا، ولا لأن إمكانياتنا كذا، ولا لأن جغرافية البلد كذا، ولا لأي سبب إنما لأنه رأى الانكسار الذي عودنا الله عز وجل أنه لا يرد من فعله، وما هي إلا ساعات حتى أخذوهم -كما هو معروف-: أتُطفئُ نُور الله نَفخة كافرٍ تعالى الذي بالكبرياءِ تفردا إذا جلجلت (اللهُ أكبر) في الوغى تخاذلت الأصوات عن ذلك النِِدا هناك التقى الجمعان جمع يقوده غرور أبي جهل كهرٍ تأسدا وجمعٌ عليه من هداه مهابة وحاديه بالآيات بالصبر قد حدا وشمَّر خيرُ الخلقِ عن ساعد الفدا وهزَّ على رأس الطغاة المهندا وجبريلُ في الأُفق القريبِ مُكبرٌ لِيلقي الونى والرعب في أنفُسِ العِدا وسرعان ما فرَّت قُريشُُ بِجمعها جريحةَ كبرٍ قد طغا وتبددا ينوء بها ثُقل الغرامِ وهَمُّهُ وتجرحها أسرى تُريدُ لها الفِدا وأنفُ أبي جهل ٍ تمرغ في الثرى وداسته أقدام الحفاةٍ بما اعتدى ركب عليه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقال له أبو جهل: [[لمن الدائرة اليوم؟ قال: يا عدو الله! لله ولرسوله وللمؤمنين، قال: لقد ارتقيت مُرتقى صعباً يا رويعي الغنم]] .

وأنف أبي جهل تمرغ في الثرى وداسته أقدامُ الحفاةِ بِما اعتدى ومن خاصم الرحمن خابت جُهودُهُ وضاعت مساعيه وأتعابُه سُدى وفي معركة أحد هُزم المسلمون ولم ينتصروا، هُزموا وكانت فعلاً هزيمة منكرة لم يكن المسلمون يتوقعونها بأي حال، قال الله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا} [آل عمران:165] .

يعني: يوم بدر.

قلتم أنَّى هذا؟! فتعجب المسلمون كيف حصل هذا؟! ظنوا أنهم ما داموا مسلمين، ومادام قائدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنهم لا يهزمون أبداً، فقالوا: أنَّى هذا؟! كيف حصل؟! فقال الله عز وجل: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165] .

نرجع إلى القاعدة: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:165] فالله تعالى قادر على أن ينصر المسلمين دون قتال، ودون سيوف، ودون جهاد، ودون بلاء، لكنه عز وجل أجرى سنته فيهم أنه ينصر من ينصره، ينصر من يستحق النصر، ينصر: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج:41] .

ولذلك ظل المسلمون على مدار التاريخ: إن ألمت بهم ملمة أو تكالب عليهم عدو عرفوا أنهم لن ينتصروا على هذا العدو بعدد ولا بعدة، إنما بصدق اللجوء إلى الله عز وجل، وإن نزلت بهم هزيمة، وجروا أذيال الخيبة في معركة من المعارك، عرفوا أنهم إنما أُتُوا من قِبَل أنفسهم، ولعلي أذكر لكم مثالين في ذلك:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015