الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها الأحبة: إنكم اليوم تستقبلون هذا الشهر الكريم، وقد انتهيتم الآن من أداء فريضة من فرائض الله عزَّ وجلَّ، ألا وهي صلاة العشاء، ثم أداء هذه السنة، التي نُقِلَت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي التراويح، وقد صلاها صلى الله عليه وسلم ثلاث ليالٍ أو أربع، ثم ترك أداءها في الجماعة، خشية أن تُفْرَضَ على أمته، فحافظ عليها أصحابُه من بعده.
أيها الأحبة: نبيكم -عليه الصلاة والسلام- كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل فيُدارسه القرآن، حتى إنه صلى الله عليه وسلم ما سُئل شيئاً قطُّ فقال: لا.
وربما طَلَبَ منه أحدٌ الثوبَ الذي يلبسُه فدخل بيته، فخلعه وبعث به إليه.
كأنَّكَ في الكتاب وَجَدْتَ لاءًَ مُحَرَّمةً عليكَ فلا تَحِلُّ فما تدري إذا أعطيتَ مالاً أيَكْثُرُ في سَماحِكَ أم يَقِلُّ؟ إذا حَضَر الشتاءُ فأنتَ شَمْسٌ وإنْ حَضَر المصِيْفُ فأنتَ ظِلُّ حتى إنه صلى الله عليه وسلم يفرح بما يُعطِي أكثر من فرح الآخِذِ بما يأخذ.
تَراهُ إذا ما جئتَه مُتهللاً كأنَّك تُعطيِهِ الذي أنْتَ سائله ولو لم يكن في كفِّه غيرُ روحِه لَجَاد بِها فلْيَتَّقِ اللهَ سائله هكذا كان قدوتُكم وأسوتكم، على رغم شظف العيش، وقلة ذات اليد، وأنه كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: [[يمر في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الهلال ثم الهلال ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، ما أوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نارٌ قال: فما كان طعامكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء]] وكان عليه الصلاة والسلام {ينام على حصير، فيؤثر جنبه، حتى يراه عمر، فيقول: يا رسول الله! كسرى وقيصر يدوسون على الحرير والديباج، وأنت هكذا فيقول: أولئك قوم عُجِّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا} أيها الأحبة: أنتم، وقد أنعم الله عليكم، وأعطاكم، وأوسع عليكم، وأنتم في هذا الشهر الكريم، وفي هذه الساعات المباركة، تسمعون يقيناً أحوال الكثيرين من إخوانكم في بلادٍ شتى من بلاد الله تعالى، يعانون من المصائب، والفقر والجوع والمرض ما لا قِبَل لهم به، ويجدون من أعداء الدين من اليهود والنصارى مِن ألوان الدعم والتأييد والمساندة والمساعدة الشيء الكثير، وهم يستصرخونكم ويستنجدون بكم.
وكل قضايا المسلمين بلا استثناء تحتاج إلى المال، ولو وجد المسلمون المال الكافي؛ لعرفوا كيف يدعون إلى الله، كيف ينشرون العلم، ولعرفوا كيف يحاربون الفقر والجوع، كيف يحاربون عدوهم، ولعرفوا كيف ينتصرون عليهم، ولحرروا بلادهم بإذن الله تعالى.