وهذه القلة يعاني منها الكثيرون؛ ولذلك نجدُ أن هناك جهلاً كبيرًا في أوساط الفتيات، حتى في عالم المدن، فضلاً عن القرى والأرياف والمناطق النائية.
والحلُّ أمام هذه المشكلة يتمثل في عدةِ أمورٍ أعرضها باختصار وبسرعة؛ رغبةً في استكمال الموضوع: فمن الحلول: طلب المشاركة من الجميع، بمعنى أن تحرص الأخت المسلمة على أن تشارك كل النساء في الدعوة إلى الله تعالى، وأن تشارك كل الغيورات، حتى مع وجود شيءٍ من التقصير، وينبغي أن نضع في أذهان النساء والرجال أيضاً: أنه لا يشترط للدعوة أن تكون كاملاً، فالدعوة ليست نادياً للكَمَلَة، والكمالُ في البشر عزيز، وما من إنسانٍ إلا وفيه نقص؛ لكن هذا النقص لا يمكن أن يحول بين الإنسان وبين قيامه بواجب الدعوة إلى الله تعالى، فأنت تدعو -مثلاً- إلى ما عملت، بل حتى ما لم تعمله يمكن أن تدعو إليه بطريقتك الخاصة.
فمثلاً: الإنسان المقصر -رجلاً كان أو امرأة- يمكن أن يقول للناس: أيها الناس إن الأمر الذي إن وقعت فيه، وهو كيت وكيت وكيت، أعرف أنه خطأ، وأستغفر الله تعالى منه، وأتوب إليه، وقد يكون فيكم من هو أقوى عزيمةً مني، أو أصلب إرادةً، أو أصدق إيماناً، أو أخلص لله عز وجل، فيستطيع أن ينجح هو فيما فشلت فيه أنا، فتكون دللت على الخير، ولك مثل أجر فاعله، ولو كنت مقصراً فيه: ولو لم يعظ في الناسِ من هو مذنبٌ فمن يعظُ العاصين بعد محمدِولذلك قال الأصوليون: حق على من يتعاطون الكئوس أن ينهى بعضهم بعضًا! وعلى هذا فوقوع الإنسان في المعصية لا يسوِّغ له ترك النهي عنها أبدًا؛ بل ينهى عن المعصية ولو كان واقعًا فيها، ويأمر بالمعروف ولو كان تاركًا له، وإن كان الأكمل والأفضل والأدعى للقبول هو سيرةُ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود:88] .
إذًا حتى مع التقصير يجب أن تجر الأخت الداعية الأخريات إلى المشاركة، فمثلاً بعض الطالبات في المدارس يمكن أن تشارك إحداهن في كلمة، أو في توجيه، أو في إعداد بحث مصغر في أمور معينة، تُحدّث بها بنات جنسها، من خلال حلقةِ المسجد، أو من خلال الدرس، أو من خلال أيه مناسبة أخرى مع مراعاةِ تعهد هؤلاء النساء بالتوجيه؛ فكونها قامت، وتكلمت، أو ألقت محاضرة أو كلمة أو بحثًا؛ لا يعني ذلك أنها قد جاوزت القنطرة، وأصبحت داعيةً، يطلب منها ولا يوجه إليها؛ يطلب منها أن تأمر الناس ولا تُؤمر هي، كلا! بل هو مطلوبٌ أن تُتَعاهد، ويُحرص عليها، وتُنصح، وتُقرأ مشاعرها، وتوضع في موضعها الطبعي، فلا يبالغ في الثقةِ بها وإطلاقِ العنان لها بما قد يضر بها.
وقد سمعت واطلعت على كثيرٍ من الحالات، منها أن الفتاة عندما تكون في المرحلة الثانوية -مثلاً- ثم يسند إليها أمرُ الدعوة كله في المدرسة؛ فتكون هي الداعية، وهي المعلمة والمتكلمة والواعظة والمتحدثة وتصبح الأنظار تتجه إليها، والأصابع تشير إليها، والأخريات ينظرن إليها نظرةً معينة أن هذا يفقدها -أحيانًا- نوعاً من القدرة على ضبط نفسها، وعلى اتزانها، ويكونُ له تأثيرٌ سلبيّ على نفسيتها، وعلى اهتماماتها التربوية الأخرى، فربما تنسى نفسها أحيانًا، وربما تبالغ في بعض الأمور، وربما تجتهد فلا تصيب؛ لأن الفترة والسن التي تعيش فيها لا تجعلها قادرةً على الاجتهاد في كل المسائل؛ بل ربما يشعر أهلها بشيءٍ من التقصير، وقد اطلعت على حالاتٍ وصلت إلى حد أزمة نفسيةٍ بسبب هذا الأمر.
إذاً يجب أن نفرق بين كوننا نقول: لا تتدخل الفتاة وهي في هذا السن في الدعوة، وهذا لا يصلح، وبين كوننا نضع في يدها الأمر كله من الألف إلى الياء، ونجعلها هي القائمة بالأمر قياماً كاملاً، فهذا أيضاً لا يصلح، بل ينبغي أن تكون في مجال التدريب والمساهمة والمشاركة مع أخريات، وأن نتعاهدها بالتوجيه والنصح، ونقول: هنا أصبت، وهنا كنت تحتاجين إلى احتياط في الأمر أكثر، وهذا خطأ ينبغي تجنبه وهكذا.
الحل الثاني: الاتجاه نحو الجهود العامة: فمثلاً: مجموعة من الجلسات قد لا تشمل سوى عشرين أو ثلاثين امرأة، أي: قد تجعل المرأة في بيتها جلسةً خاصةً لخمسٍ من جيرانها -خمسُ نساءٍ فقط- لكن لو أنها أقامت محاضرة أو درسًا عامًّا أو أمسية؛ لكان من الممكن أن تشمل مئات النساء، فيكون هذا الجهد المحدود الذي صرفته إلى خمس، كان من الممكن أن تصرفه إلى خمسين، أو إلى خمسمائة امرأة.
وبطبيعة الحال نحن لا نقلل من أهميّة الدروس والجلسات الخاصة؛ فهذه الدروس والجلسات الخاصة لها أهميتها، فهي: أولاً: أنها تخاطب فئة من المجتمع.
ثانيًا: أنها ربما قد توجد امرأة تقدر على أن تقيم جلسةً خاصة لخمس؛ لكنها لا تستطيع أن تقيم محاضرةً أو درسًا عامًّا.
ثالثًا: أن الجلسة الخاصة -خمس نساء أو عشر- يمكن التحكم في وقتها وفي مكانها، وهذا كله يسهل إمكانية أن تُقام، لكن درساً أو محاضرة قد يصعب قيامه.
لكن متى أمكن أن تقوم المرأة بنشاط عام: كمحاضرةٍ أو درسٍ عام أو ندوة؛ فإن هذا يكون أبلغ في التأثير، وأوسع في المنطقة التي تخاطبها.
الحل الثالث: ضرورة التركيز من الجميع -رجالاً ونساءً- على إعدادِ جيلٍ من الداعيات الواعيات ممن يحملن هم الإسلام، وتنمية هذه المعاني -معاني الدعوة- لديهن.
فقد تكون زوجتك-مثلاً- ممن تصلح لهذا، فلا يجوز أن يكون زواجها نهاية المطاف، أو أختك، أو قريبتك، أو بنت أختك، أو محرمك؛ فينبغي أن تحرص على أن تعدها داعيةً إلى الله تعالى، وكذلك النساء الداعيات من المدرسات ينبغي أن يعتنين بإعداد نوعياتٍ من الفتيات وتهيئتهن وتأهيلهن للقيام بهذه المهمة الصعبة؛ لأن واحدةً من النساء يمكن أن تقوم عن عشرٍ، وكما يقال: والناس ألفٌ منهمُ كواحدٍ وواحدٌ كالألفِ إن أمرٌ عَنَا ولا نحتاج إلى تحريف في هذا البيت، فقد حرفه قبلنا: أبو عبد الرحمن بن عقيل، فقال: والناس ألفٌ منهمُ كواحدة وواحدة كالألفِ إن أمرٌ عَنَا وهذا صحيح، فربما امرأة غلبت آلاف الرجال، ومن يستطيعُ أن يأتي في عيار أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أو خديجة، أو حفصة، أو زينب، أو أم سلمة رضي الله عنهن، أو غيرهنَّ من المؤمنات الأُول؟ حتى كبار الرجال تتقاصر هممهم دونهن، وما زال في هذه الأمة خيرٌ، رجالاً ونساءً.
الحل الرابع: الاستفادة من النشاطات الرجالية: فلماذا نتصور أن نشاط المرأة ينبغي أن يكون محصورًا؟ فالنشاطات الرجالية: كالدروس-مثلاً- والمحاضرات، والندوات، ومعظم الكلام الذي يقال فيها يصلح للرجال ويصلح للنساء، وكما أسلفت أن الشرع جاء للرجل والمرأة، وخاطب الجنسين معًا، وما ثبت للرجل ثبت للمرأة إلا بدليل.
وليس يلزم أن تكون المرأة مجتمعًا مستقلاًّ متكاملاً، فقيهتها منها، وداعيتها منها، ومفتيتها منها أن هذا ليس بلازم، والرسل عليهم الصلاة السلام كانوا رجالاً فقط، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى} [يوسف:109] إذًا فالرسل كانوا رجالاً، ولا أرى أن أدخل في جدلٍ عقيمٍ حول: هل بعث من النساء أحد؟ فإن ابن حزم له رأيٌ، وبعض الفقهاء لهم رأىً آخر، ولكن الجمهور- كما ذكر القرطبي وغيره -على أن الرسل كلهم كانوا من الرجال، ولم يبعث الله نبية قط.
فلا أريد أن أدخل في الجدل العقيم، فنقف عند الآية: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ} [يوسف:109] وهؤلاء الرجال كانوا يخاطبون الرجال، ويخاطبون النساء؛ ويدعون الجميع على حدٍ سواء.
إذًا لا مانع- حفظًا للجهود- أن تنضم النساء إلى مواكبِ المستمعين إلى الدروس والمحاضرات والمجهودات الرجالية بطبيعة الحال على انفرادٍ، ومع التزامهنَّ بأوامر الشرع: في عدم التطيب إذا أرادت الخروج، وعدم لبس الثوب الذي يكون زينةً في نفسه، وستر نفسها، وعدم الجهر بالقول والاختلاط بالرجال… إلى غير ذلك؛ لكنها -أيضاً- تستفيد في مجالاتها الخاصة المنعزلة.
وهنا يأتي دوركم أنتم يا أولياء الأمور: دور الأب، ودور الزوج، دور الأخ، في تسهيل المهمة وإعانة المرأة على بلوغ محلها الذي تريد.