الصفة الثانية: القدوة الحسنة

ثم يأتي دور القدوة ومن قبل قال شعيب عليه السلام: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود:88] وفي صحيح البخاري عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: {يؤتى بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار، فتنْدَلِقُ أقتاب بطنه، فيدور فيها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان! ما لك؟! ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟! قال: بلى.

كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وكنت أنهاكم عن المنكر وآتيه} .

إذاً من الخطورة بمكان أن يتكلم الإنسان بلسانه، ثم يكذب ذلك بأفعاله.

يا واعظَ الناس قد أصبحتَ متَّهمًا إذ عِبْتَ منهم أمورًا أنت تأتيها أصبحتَ تنصحهم بالوعظ مجتهدًا والموبقات- لَعَمري- أنت جانيها والرجل والمرأة في هذا الحديث سواء، وإنما ذكر الرجل على سبيل التغليب، وإلا فالحكم واحد، والطبيعة واحدة، وما ثبت في حق الرجل ثبت في حق المرأة إلا بدليلٍ يخرجها منه.

يا أيها الرجلُ المعلمُ غيرَه هلَّا لنفسِك كان ذا التعليمُ تصفُ الدواءَ لذي السقام وذي الضَّنى كيما يصح به وأنت سقيم ابدأ بنفسك فانهها عن غيِّها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم فهناك يُقبل إن وعظت ويقتدى بالقول منك وينفع التعليمُ لا تَنْهَ عن خلقٍ وتأتي مثله عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ فالتربية والدعوة بالسلوك -أحياناً- أحسن من ألف محاضرة، وسلوك امرأةٍ بين زميلاتها في حسن خلقها وأدبها، ومظهرها ومخبرها، وطيب حديثها، والتزامها بشريعة ربها، وصلاحها؛ أعتقد أنه أفضل من كثيرٍ من الكلمات والمحاضرات التي نبدئ فيها ونعيد، ونردد الكلام، وقد لا يسمعه الكثيرون.

فكثيرٌ من الأخوات وكثير من البنات تقول: أنا ليس عندي رغبة في سماع الأشرطة الدينية؛ وهذا كثيراً ما يقع، لكن لو وجدت أمامها نموذجًا حيًّا، وصورةً حيةً من فتاةٍ ملتزمةٍ متدينةٍ، فأعجبتها؛ أعتقد أنها هنا لاتحتاج إلى أن تسمع شريطًا أو لا تسمع؛ فالحق واضحٌ، ولا يحتاج إلى صعوباتٍ في من يريده.

فلابدّ من القدوة الحسنة، وأن تكون الأخت الداعية قدوةً حسنةً في عبادتها، وسلوكها، ومخبرها، وقلبها، وعقيدتها، وأخلاقها، وطيبتها، ومظهرها أيضًا: في شكلها وثيابها وفي شعرها وثيابها ومشيتها، وفي حركاتها، في أعمالها وأقوالها، وكل شيء، وأضرب لكَ ولكِ مثلاً على ذلك: المرأة الداعية القدوة، التي تظهرٍ بمظهر لا يليق بمثلها؛ كأن تلبس مثلاً عباءةً لامعةً مطرزة، أو تلبس كابًا مطرزًا هو زينة بنفسه، أو تضعه على كتفها، أو تظهر زينتها للأجانب، أو تكون مولعة بمتابعة الموضات والتسريحات أولاً بأول.

إن هذا المظهر حين تتحدث وتدعو -لا نقول: إنه يجب عليها أن تسكت إذا كانت هكذا، لا! فهي مطالبة بالدعوة كما قلنا منذ قليل- فإنها تكون بهذا العمل الذي عملته قد سنت للأخريات سنةً يقلدنها فيها، إما عن حسن ظن بأن هذا العمل الذي فعلته لا شيء فيه، والدليل أن فلانةً فعلته، أو سيقولون: إن هذه المرأة لا تستحق أن يسمع لها، لأنها تناقض قولها بفعلها، بل أقول: لا بأس أن تتجنب الأخت الداعية هذا، بل ينبغي أن تتجنب بعض الأمور المشتبهة حمايةً لعرضها، وحمايةً لدعوتها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015