ها هنا سؤال: هل يمكن بروز محور عالمي جديد يواجه هذه القوة المستفردة المتغطرسة؟ هذا سؤال يطرحه الكثيرون، وفي تقديري أن هذا هو المتفق مع السنن الإلهية، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [البقرة:251] فسنة المدافعة قائمةٌ في الغالب، والآن نحن نقول: هناك استفراد أمريكي وإن كنا ندرك أن ثمة قوى لا توافق الإدارة الأمريكية على منطلقاتها، ولكنها لم تصل بعد إلى أن تبلور نفسها وموقفها في قوةٍ واضحة تستطيع أن تواجه طغيان أمريكا وعدوانها.
لماذا لم يبرز حتى الآن محورٌ جديد معارض سواءً في أوروبا، أو في الصين، أو في نمور آسيا، أو في غيرها؟ كثيرٌ من الدول قد تطرح هذا، كما تطرحه روسيا مثلاً، تطرحه من أجل الضغط فقط على الولايات المتحدة الأمريكية، لكن ليس بشكل جدي وعملي لعدة أسباب: السبب الأول: الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، فإن معظم دول العالم بما فيها الصين -مثلاً- أو أوروبا، أو روسيا أو غيرها مرتبطة مع الولايات المتحدة الأمريكية بشراكة استراتيجية اقتصادية وسياسية يصعب عليها التخلي عنها.
ثانياً: التفوق الأمريكي الساحق في مجال القوة العسكرية، ويكفي أن تعرف -مثلاً- أن ميزانية الدفاع الأمريكية عام (2002م) م -يعني لسنة واحدة- هذه الميزانية تعادل ثلاثمائة وسبعين مليار دولار، بما يعادل الميزانية العسكرية للدول الست الكبرى مجتمعة، وهذا التفوق الهائل في مجال القوة العسكرية فضلاً عن التفوقات في مجال التقنية والاختراع والتسليح يجعل كثيراً من الدول تحجم عن مثل هذا الموقف.
إن دول أوروبا تشعر بأن الهوة بدأت تتسع مع أمريكا، وأن حلف الأطلسي بدأ يتحجم دوره، بل بدأ يفقد دوره، وفي مؤتمر السياسة الأمنية الذي عقد في ميونخ في ألمانيا بدأت بوادر الخلاف بين أمريكا وبين دول أوروبا، مع أن هذا أحد المحاور -أعني به مؤتمر السياسة الأمنية في ميونخ - التي ترسم السياسة العالمية تقريباً، ومع ذلك برز فيه نوعٌ من الخلاف، ولكن
Q متى يتحول هذا الخلاف إلى نوعٍ من المواجهة مع الاستفراد ومع الغطرسة الأمريكية؟