المنافقون والمشركون

كيف عامل المنافقين؟ أخذهم بالظاهر، لم يقتل أحداً منهم، بل إنه لما طلب إليه ذلك، قال -كما في صحيح البخاري عن جابر -: {فكيف إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه} فما دام يعلن الإسلام فإني آخذه بالظاهر وأدع سريرته إلى الله عز وجل.

المشركون كيف عاملهم؟ عاش في مكة ثلاث عشرة سنة بين أظهر المشركين والوثنيين، فكان يعاملهم ويبيع منهم ويشترى، ويدعوهم ويتحدث معهم، وغير ذلك من ألوان المعاملات التي تجري عادة بين هؤلاء الناس، ومما يقطع به قطعاً لا شك فيه: أن النبي عليه السلام لم يكن يهجرهم أبداًً، بل كان يعاملهم، ويأخذ منهم ويعطيهم، ويبيع منهم ويشتري، ويدعوهم إلى الله عز وجل، ويحضر مجالسهم ويحادثهم، وربما كنى بعضهم إلى غير ذلك.

نموذجان من معاملاته بصفة خاصة لبعض المشركين: الأول: قصة غورث بن الحارث، وهي في صحيح مسلم: {لما نزلوا في منزل، وكانوا يتركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مكان تحت شجرة، فنام تحته صلى الله عليه وسلم، وتفرق أصحابه في الأشجار، فجاءه رجل مشرك فأخذ السيف وسله على النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا محمد! من يمنعك مني؟ فقال: الله.

فسقط السيف من يده، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: من يمنعك مني؟ فقال: لا أحد، قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله.

قال: لا} انظر كيف الوضوح عند هذا الرجل وإن كان مشركاً لكن ليس عنده نفاق، ما آمن ولذلك قال: لا، والسيف على رقبته قال: {ولكني أعاهدك ألا أحاربك، ولا أكون مع قوم يحاربونك} فجاء الصحابة فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم خبر هذا الرجل.

القصة الثانية: قصة ثمامة بن أثال سيد بني حنيفة، لما أخذه المسلمون وكان يريد أن يعتمر، فقبضوا عليه وأودعوه في المسجد، فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: {ما عندك يا ثمامة؟ قال: عندي يا محمد خير.

إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه النبي عليه السلام، وفي اليوم الثاني تكرر نفس الكلام، وفي اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم: أطلقوا ثمامة فأطلقوه، فخرج الرجل وذهب إلى ماء قريب من المدينة - نخل - فاغتسل، ثم جاء وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، والله يا محمد ما كان على وجه الأرض أرض أبغض إلي من أرضك، فقد أصبح بلدك أحب البلاد كلها إلي، والله يا محمد، ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي، والله يا محمد ما كان على الأرض دين أبغض إلي من دينك، فقد أصبح دينك أحب الأديان كلها إلي} ففرح النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم ذهب هذا الرجل إلى قريش فقال لهم: والله لقد أسلمت، ولا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فرض عليهم الحصار الاقتصادي إلا بإذن الرسول عليه الصلاة والسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015