وهكذا دين الله تعالى، الطريق إلى جنة الله وإلى رضوانه، فلو أن إنساناً -مثلاً- كان قارب المعاصي والموبقات، وركب ما ركب من الذنوب، ثم بعد ذلك اهتدى وأقبل إلى الله تعالى، فقال: لقد مضى من عمري أربعون سنة، ولابد أن أستدرك، ولذلك أريد أن أضاعف أعمالي وأكثف عباداتي، وأريد أن أزيد، فتجد أنه أصبح يقوم من الليل كثيراً، ويصوم من النهار كثيراً، ويقرأ أجزاءً من القرآن، ويحرص على حفظ القرآن، ويحضر دروس العلم، ويقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأصبح يضرب في كل ميدان بسهم، فإذا سمع بعد ذلك بخبر الجهاد في أفغانستان وفي غير أفغانستان، وخبر الشهادة في سبيل الله، قال: أظن أنه لا يكفر عني سيئاتي إلا الموت في سبيل الله، فترك هذه الأعمال كلها وذهب إلى هناك.
بعد فترة وجد أنه لم يجد المجال الذي ينتظره، فذهب إلى ميدان ثالث، فأصبح هذا الإنسان مشتتاً لا يستقر على حال من القلق، لكن لو أنه مشى رويداً، وبدأ يحافظ على الفرائض ويبكر إليها، ويحافظ على وضوئها وركوعها وسجودها، ويقرأ ما تيسر من القرآن كما أمر الله عز وجل، ويصلي من الليل ما كتب له، ويصوم الاثنين والخميس، وأيام البيض، وأيام الست من شوال، وما أشبه ذلك، ويأمر بالمعروف، ويقول كلمة الحق، ومع ذلك فإنه يستمتع بما أحل الله تعالى له من أكل وشرب ونوم وغير ذلك، ويصل رحمه، ويحسن إلى جيرانه، ويقوم بتجارته ودراسته وأعماله وغير ذلك، فإن هذا الإنسان غالباً يستقر على تلك الحال، ولا يكون عرضة للتقلب والتلون.