كل ما ارتفع في الدنيا سيوضع

من سنن الله تعالى -وأختم بها- قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان {حقٌ على الله تعالى ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه} وقد قال عليه الصلاة والسلام هذا بمناسبة أن ناقته العضباء كانت لا تسبق، ثم جاء أعرابي على قعود له فسبقها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.

وهذه سنة عامة في كل الأمم، حتى أمم الدعوة إذا قامت لها حكومات وقامت لها دول، تبدأ فيها عوامل الضعف تدب شيئاً فشيئاً حتى تضعف، ثم تنحرف عن دعوتها وعقيدتها وما قامت من أجله، فتحق عليها السنة، وهي في مجال الخير، فمن باب أولى ما كان في مجال الشر، ونحن الآن نجد أن الأمم الغربية قد ارتفعت وبلغت أوجها، فالآن العالم يتكلم عن أمريكا على أنها هي القطب الأحادي الذي يدير العالم -كما يزعمون ويتصورون- وأنها أعظم الأمم، وأكبر القوى إلى غير ذلك من الهالات التي أطلقوها عليها ووصموها بها، وفعلاً قد أصابها من غطرسة الكبرياء، والقوة، والتسلط، والانفراد خاصة بعد انهيار النظام الشيوعي؛ أصابها من جراء ذلك شيئاً كبيراً، ولذلك فإن من حكمة الله تعالى {حقٌ على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه} فأقول: إن هذه القوة الكافرة المتنفذة اليوم، قد بلغت أوجها ونحن بمقتضى هذا الوعد النبوي نقول: حق على الله ألا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه الله تعالى.

إذاً: سوف تتضع هذه القوى وتنهار، ويبدأ عدها التنازلي بمقتضى هذه السنة التي حددها وقررها وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يتوقع البعض أن وجود الروس والجمهوريات الاشتراكية في الماضي كان يحفظ التوازن بين الشرق والغرب، وهذا الكلام يحتاج إلى إعادة نظر، فأي توازن حفظه، ربما نقول إن وجود الشرق الشيوعي الملحد كقوة منافسة للغرب في الماضي جعل كثيراً من القوى التي تخاف من الشيوعية ترتمي في أحضان أمريكا وترتبط معها بالعهود والمواثيق الطويلة، وتقبل أن تكون أراضيها ميداناً لقوتها ولنشر صواريخها، أما بعد ما أنهار النظام الشيوعي الشرقي الكافر، فربما يزول ذلك الخوف، الذي جعل كثيراً من الدول تمد حبالها إلى أمريكا، إضافة إلى أنه سوف يجعل تلك الدول تشعر بخطورة أمريكا عليها، فتقوم بعمل وحدة فيما بينها، أو تحالفات لمواجهة الغطرسة الأمريكية والتسلط الغربي، وهذا ما نجد بشائره فيما يسمونه الآن بأوروبا الموحدة التي يتوقعون أن تظهر تقريباً عام ألف وتسعمائة واثنين وتسعين تقريباً، والتي بدءوا يوجدون لها المؤسسات والأجهزة التكاملية، وهذه أصبحت أمريكا تنظر إليها على أنها موجهة إليها، وأنها هي المستهدفة من ورائها.

إذاً: {حقٌ على الله ألا يرتفع شيء إلا وضعه} وربما يهلك الله تعالى بعض هؤلاء ببعض كما سبق ذكره في سنة أخرى، فطبيعة الحياة لا بقاء ولا قرار لها، وطبيعة الصراع بين الحق والباطل لابد أن تفعل فعلها بإذن الله تعالى، وعلى المؤمنين أن يعقلوا ويعرفوا هذه السنن الكونية، ليكون في قلوبهم أمل دائم بانتصار الإسلام، ولئلا تكبر في قلوبهم قوى الغرب الكافر، أو تعظم في نفوسهم فيظنوا أنه لا زوال لها، كما كان يتوقع بعض المفكرين في زمن مضى.

وفي الأسبوع القادم إن شاء الله سوف يكون عنوان الدرس (مجرد إشاعة) .

سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015