ذكر الإمام الغزالي ثم الصنعاني أن هذا الرياء له أربع حالات:- الحالة الأولى: أن يكون قصد الإنسان بهذا العمل الرياء المحض، يعني لم يعمل العمل أصلاً إلا من أجل الناس، وهذا لا خلاف فيه عند أحد من أهل العلم أن عمله مردود وحابط بل هو عليه كما قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ} [الماعون:6] ويقول الله عز وجل: {أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري فأنا منه بريئ وهو للذي أشرك} وفي لفظ: {تركته وشركه} ويوم القيامة يقول الله عز وجل للذين كانوا يراءون في الدنيا {اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً} .
الحالة الثانية: أن يكون قصد بالعمل الرياء ووجه الله، فأراد الأجر وأراد كذلك المدح من الناس في الوقت نفسه، لكن إرادة الرياء أغلب، يعني (70%) من الدوافع من أجل الناس، و (30%) من أجل الله، وهذه النسبة لمجرد الإيضاح، وإلا فليس هناك مقياس ترمومتر يقيس النية أنها سبعون أو ستون، فإذا كان الأغلب أنه فعل ذلك من أجل الناس فهذا العمل رياء وحابط ولا يقبل من الإنسان.
الحالة الثالثة: أن يستوي الطرفان فيكون قصده وجه الله ومدح الناس بنسبة متعادلة، يعني (50%) من أجل الله و (50%) من أجل الناس، فيقول الغزالي: هذا لا له ولا عليه، ليس عليه أجر ولا إثم أيضاً، أو نقول الأجر الذي حصله يدفع الإثم الذي حصله، فيتاكفآن ويتساقطان.
الحالة الرابعة: أن يكون قصده وجه الله أكثر وقصد الناس يأتي ضمنه، يعني (70%) لوجه الله، لكن (30%) لوجه عبيد أو زيد من الناس، فهذا له أجر على هذا العمل، وإن كان عمله أقل أجراً بكثير ممن أخلص لوجه الله.
هل هذا التقسيم الذي ذهب إليه الغزالي والصنعاني وجماعة من أهل العلم تقسيم صحيح؟ أكثر أهل العلم يقولون: لا، ثم لا، ثم لا.
بل العمل الذي يتقرب به إلى الله تعالى، وأراد الإنسان به رياءً ولو بنسبة معينة فإنه لا يقبل، فلو أراد وجه الله بنسبة (90%) وأرد الناس بنسبة (10%) في وقت واحد، وفي أصل العمل فإن هذا العمل لا يقبل، كما هوصريح النصوص السابقة، وفي القرآن الكريم {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110] والحديث القدسي {من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه} بغض النظر عن نسبة هذا الشرك قليلة كانت أم كثيرة، لذلك لو وقع الإنسان -أيضاً- في الشرك الأكبر ولو بعبادة واحدة أُحبطت جميع أعماله، كذلك من وقع في الرياء في عمل معين فإن الرياء وإن قل يحبط هذا العمل، هذا إذا كان الرياء في أصل العمل.