الخطأ الخامس الذي يقع فيه بعض الناس هو: أن بعضهم يتكلفون استحضار النية، سواء أكان ذلك في العبادة أم كان في غيرها، ويعجبني الكلام الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما قالوا: إن النية تحدث في القلب بمجرد علم الإنسان بما يريد أن يعمل، فإذا علم الإنسان ماذا يريد أن يعمل فإن النية تأتيه ضرورة، حتى لو أراد دفعها فإنها لا يمكن أن تندفع.
ولذلك لو كلف الناس أن يدفعوا النية عن قلوبهم فلا يمكن أن يدفعوها.
ما معنى هذا الكلام؟ معنى هذا الكلام أنك إذا سمعت المؤذن، ثم خرجت من بيتك إلى المسجد، ووقفت في الصف، لماذا جئت إلى هذا المكان؟ هل أتيت من أجل أن تشتري أو تبيع أو تزور صديقاً؟ أتيت لتصلي، هذا مكان معد للصلاة، مخصص للصلاة، فبصورة طبيعية ضرورية أنت لم تأت إلى هذا المكان إلا للصلاة، وبذلك لا تحتاج إلى أن تقول أستحضر النية أو لا أستحضر النية، فأنت -أصلاً- لماذا جئت إلى هنا؟ جئت لتصلي، هذا كاف.
فإذا سمعت المؤذن ثم أتيت، وفتحت صنبور الماء وغسلت يديك، فلماذا تفعل هذا؟ تفعله للوضوء، وهذا أمر بديهي لا يحتاج إلى تكلف استحضار النية.
بعض الموسوسين يتكلف استحضار النية، فيصعب عليه هذا الأمر، حتى يؤدي به والعياذ بالله إلى ألوان من التكلف، يشك الإنسان في عقل من يفعله، أو على الأقل يشك في فقهه ودينه، ويعتقد أنه إما أن يكون مخبول العقل أو جاهلاً بأمور الدين.
هذه النية لا تحتاج إلى استحضار، لا تحتاج إلى تكلف؛ لأنه كما ذكر العلماء أنه من علم ماذا يريد أن يعمل جاءته النية تلقائياً، اللهم إلا في حالات معينة، مثلاً: لو فرض أن إنساناً عليه جنابة، واليوم الجمعة ونسي أنه مجنب، ودخل يغتسل -في دورة المياه- للجمعة لا للجنابة، أو دخل يغتسل للتنظف، وقد نسي أن عليه جنابة، هذا صحيح أنها لا تجزئه؛ لأنه غابت عنه نهائياً قضية الجنابة، لكن مجرد تذكره أن عليه جنابة، وأنه يغتسل الآن هذا كاف.
ومثله: -مثلاً- لو فرض أن هناك إنساناً كافراً أسلم الآن، وأردنا أن نعلمه كيف يتوضأ، فقام محمد ووقف أمامه وقال له: الآن أريك كيف الوضوء.
فغسل يديه، وتمضمض، واستنشق، وغسل وجهه ويديه، ومسح برأسه وأذنيه، وغسل قدميه، وقصده أن يعلم الكافر كيف الوضوء، وقد نسي أن عليه حدثاً.
هنا أيضاً يمكن أن تكون النية غابت في هذا الحال، ولا يرتفع الحدث إلا بنية كما هو رأي جمهور العلماء، وهو الصحيح إن شاء الله.
أما فيما عدا ذلك من الحالات، كإنسان متذكر أن عليه حدثاً ويأتي ليتوضأ أو يغتسل هذا كاف، ولا يحتاج إلى أن يتكلف ويتنطع في استحضار النية كما يفعل بعض الموسوسين.
وقل مثل ذلك في الصلاة، يقوم الواحد فكلما رفع يديه تراجع، كلما ملأ صدره بالهواء ليقل: "الله أكبر" تراجع، ثم انتفض، ورجع مرة أخرى وهو رافع يديه، وثالثة ورابعة، حتى يصبح مظهراً مزرياً والعياذ بالله، ويسيء إلى الدين في الواقع، والمتدينين مع أنه أمر لا يؤجر عليه، لا هو عبادة، ولا قربة، ولا يؤجر عليه، بل يسبب بغض العبادة عند هذا الإنسان، وبعضهم يضطر إلى الجهر بالنية حتى يدفع هذا الوسواس، فإذا أراد أن يجهر انعقد لسانه، حتى ذكر بعضهم نكتة أن أحد هؤلاء قام ليصلي في الجماعة، فصار يقول: (نويت أن أصلي الظهر) .
وكل كلمة يرددها عشرات مرات (أربع ركعات، فريضة الوقت، أداء، أداء) كلمة أداء هذه عجز يقولها (أدا، أدا) فقال له رجل بجنبه: نعم، أذاءً لله، ولرسوله، وللمؤمنين.
هذا ليس أداء وإنما هو أذاء، وفعلاً هذا يؤذي كثيراً من الناس، فإذا صلى بجنبك إنسان موسوس فلا يهنأ الإنسان بصلاته، ولا يدري ماذا قال.
فأنا أوجه من خلال هذه الكلمة نصيحة للإخوة الموسوسين: أن يخافوا الله في أنفسهم، ولا يقبلوا هذا الوسواس بحال من الأحوال.