السؤال الثالث الذي يمثل خطأ عند كثير من الناس: وهو أن بعض الناس يظنون النية في العبادات فقط، فيقول لك -مثلاً-: أنا ممكن أن أنوي نية طيبة إذا أردت أن أذهب للمسجد، أو أذهب للعمرة أو للحج، أو صوم رمضان، لكن هل معقول أن أنوي النية الطيبة وأنا أذهب لأفتح الدكان في التجارة -مثلاً- أو أنا أذهب لأدرس في المدرسة، أو ما أشبه ذلك من المقاصد؟! هل يمكن أن أنوي النية الطيبة في هذه الأمور؟! أقول: نعم، النية الطيبة تتصور في كل عمل، اللهم إلا أن يكون العمل محرماً، أما الأعمال التي ليست محرمة فتتصور فيها النية الطيبة، وهي تنقلب بالنية الطيبة إلى عبادات يثاب عليها الإنسان.
ولذلك لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم الأعمال والصدقات، قال: {وفي بضع أحدكم صدقة -والبضع: هو الفرج، يعني في جماع الرجل لزوجته صدقة- قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! -استغرب أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام- قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم.
قال: فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر} وهذا ما يسميه بعض أهل العلم "قياس العكس" فكما أن الإنسان لو وضع هذه الشهوة في حرام أثم بذلك، كذلك حين اختار طريق الحلال، وأعرض عن طريق الحرام كان له أجر بهذا العمل.
خذ على سبيل المثال: اللباس.
قد يلبس الإنسان ثوباً جميلاً، فيكون مثاباً بهذا العمل، وهو ثوب جميل يتزين به للناس، ويفرح به؛ لأن الإنسان يحب ذلك بطبيعته غالباً.
إن هذا الثوب الجميل الذي يلبسه قد يثاب عليه، كيف؟! لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم -أيضاً- {إن الجنة لا يدخلها من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً} .
والرجل والمرأة في ذلك سواء، بل المرأة على سبيل الخصوص تعنى بتحسين ملابسها وثيابها وتنويعها أكثر بكثير مما يُعنى بذلك الرجل، ولذلك تجد أن لباس الرجل غالباً هو الأبيض، خاصة في أيام الصيف، أما بالنسبة للمرأة في الصيف والشتاء وفي جميع الأوقات تجد أن لها من الملابس الملونة والمنوعة والمزوقة والمزركشة ما لا يأتي عليه العد والحصر.
فالمهم هذه فطرة عند الإنسان يستوي فيها الجميع، حتى الصبيان والصغار يفرح الواحد منهم بأن يلبس ثوباً جميلاً، ومع ذلك قد يؤجر عليه، فالصحابة قالوا: يا رسول الله، إن أحدنا يجب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق وغمط الناس} إذاً ليس من الكبر أن تحرص على جمال ثيابك، وحسن بزتك، وجمال حذائك، وحسن هندامك وهيئتك أمام الناس، فليس هذا من الكبر بسبيل، إنما الكبر هو شيء في القلب أي بطر الحق وغمط الناس، فيترتب عليه أن يرفض الإنسان الحق، ويبخس الناس أشياءهم، ويتعاظم في عين نفسه، ويستكبر في نفسه.
إذاً اللباس يمكن أن يكون عملاً يؤجر عليه الإنسان، وخذ مثلاً آخر: الطيب -مثلاً- قد يتطيب الإنسان، وهو أمر يحبه كل فرد منا، ومع ذلك يؤجر على هذا الطيب، الذي وضعه في ثيابه أو شعره أو بدنه؛ لأنه أراد من وراء الطيب ألا يجد الناس الذين يخالطونه رائحة كريهة منه، وأراد من ورائه ألا يتأذى به من يصلي إلى جواره، وأراد من ورائه ألا يتعرض الناس له بالغيبة أو بالتنقص؛ وهذا أمر قد يأثمون بسببه؛ فأراد دفع الإثم عن الناس، ودفع الغيبة والتنقص عن نفسه؛ فأجر بهذا العمل الذي هو في الأصل قد يقال أنه مباح، وقد يقال -أيضاً- أنه سنة؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.