أما كيف يمكن إصلاح النية؟ فسوف أضرب لكم أمثلة أخرى في غير موضوع النية؛ حتى يتضح الأمر، يقول الله عز وجل على لسان يعقوب عليه السلام أنه قال لبنيه لما حضرته الوفاة: {يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:132] والسؤال نفسه قد يرد هنا، قد يقول قائل: هل الموت على الإسلام بيدي؟ الموت بيد الله، لذلك فقوله: {فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة:132] كيف يكون؟! ومثل ما ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليفعل} فقد يقول قائل: هل الموت بيدي حتى أذهب إلى المدينة لأموت فيها؟! هذا أمر لا أستطيعه، أو لا أطيقه.
فنقول الجواب على ذلك: أن المطلوب من الإنسان ما هو داخل في حدود الطاقة والاستطاعة، فحين يأمرنا الله عز وجل أن لا نموت إلا ونحن مسلمون، فمعنى هذه الآية أن الله تعالى يأمرنا بأن نستقيم على الإسلام في حال الحياة، ونحرص على القرب من الله عز وجل، ونتعرف إلى الله في الرخاء؛ حتى إذا نزلت بنا كربات الموت وسكراته كان الله معنا يحفظنا ويثبتنا، فلا نموت إلا ونحن مسلمون، فيكون المطلوب من الإنسان إذاً هو السبب، الذي يستطيع به أن يصل إلى ما أمره الله تعالى به، ومثله الموت بالمدينة -مثلاً- فإن الإنسان حين يذهب إلى المدينة ويستقر فيها، ويسكن فيها، يكون فعل السبب الذي به يحقق {من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليفعل} لكن ربما يحصل للإنسان عارض بسفر أو غيره فيموت وهو في مكان آخر بحادث أو بغير حادث، هذا ليس أمراً مقطوعاً به.
ومثله قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه {كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل} لما جاء ذكر الفتن قال: {كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل} أي افعل السبب، كف يدك عن قتل المسلمين والظلم والاعتداء؛ حتى إذا وقع عليك القتل تكون مظلوماً لا ظالماً، ومقتولاً لا قاتلاً، فحين يأمرنا الله تعالى بإصلاح النية يأمرنا بأن نفعل الأسباب والوسائل التي تؤدي إلى صلاحها.
إذاً فالتحكم في النية ممكن وليس محالاً أو صعباً، وذلك من خلال معالجة الإنسان لقلبه، وتذكر أسماء الله تعالى وصفاته، ومعرفة ما له من الكمال، ومعرفة الدنيا وهوانها، وأنها لا تستحق أن يعمل من أجلها، ومعرفة الجنة ونعيمها التي يستحق أن يتعب الإنسان في سبيل تحصيلها، ومعرفة النار وعذابها التي يستحق أن يهرب منها الإنسان بكل ما أوتي من قوة.
إلى غير ذلك من المقاصد، والمعاني، والأسباب التي لما يسعى الإنسان في تحصيلها تكون سبباً في إصلاح نيته.
هذا هو السؤال الأول الذي قد يرد، ويمثل الخطأ الأول، إذ يظن بعض الناس أن لا سبيل إلى إصلاح النية.