إن هذا النبي الذي بُعث في هذه الأمة كان من أعظم ما أهدى هو التوحيد الذي عرف به الإنسان معنى إنسانيته، وكرامته، ذلك الإنسان الذي لم يكن له معنىً في الجاهلية، وكان يرضى أن يُطأطِئ رأسه لإله من حجر أو شجر أو صنم، فيعبد اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى.
بُعث النبي صلى الله عليه وسلم للإنسان ليعلمه أن (لا إله إلا الله) ولا معبود بحق سواه، وأنه لا يجوز أن يُطأطِئ رأسه إلا لله عز وجل، فلا يسجد لغيره ولا يعبده سواه، مخلصاً له الدين ولو كره الكافرون، فأوجد فيه روح العزة ومعنى الحمية وسر الشجاعة والإنسانية، حتى علَّم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الأعزل -الإنسان الفقير- ألا يذل ولا يخضع لشيءٍ من متاع الدنيا، وكيف يذل لغير الله عز وجل؟! وكما قال الشاعر: تأبى عقيدتنا تأبى أصالتنا أن يصبح العرب أشتاتاً وقطعانا فلا لشرق ولا غرب نطأطِئها بل ترفض الجبهة الشماء إذعانا فأصبح هذا الأعرابي الذي كان بالأمس يركض وراء إِبِلِهِ وغَنَمِهِ، وكلُّ هَمِّه من الدنيا ملبس أو مطعم أو مشرب، أصبح هذا الإنسان عزيزاً ومرفوع الهامة ويناطح السحاب، فلا يذل إلا لله عز وجل! وليس لديه أي استعداد أن يهادن أو يداهن في دين الله عز وجل حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم في ضمن دروس العزة، والكرامة التي ألقاها على هذه الأمة العظيمة: {من قُتل دون ماله فهو شهيد، ومن قُتل دون نفسه أو دمه فهو شهيد، ومن قُتل دون عرضه فهو شهيد} .
فعلَّم النبي صلى الله عليه وسلم الإنسان أن يكون أبِيَّاً ورفيعاً وقوياً وعزيزاً ومنيعاً، وأن لا يكون همه هذه الحياة الدنيا، ولا بد أن يكون للإنسان وراء هذه الحياة معنى فوق هذه الدنيا، وألا يكون الإنسان تراباً فحسب، بل هو حفنة من التراب عانقها هدي السماء، فارتفعت وسمت وشمخت؛ فأصبحت أعظم من كل معاني البشرية؛ لأنها ارتبطت بهدي الله عز وجل ونور الوحي النازل من السماء؛ فأصبح الإنسان بذلك مرفوع الهامة وشامخ الأنف، لا يذل لغير الله عز وجل طرفةً أو لحظة.