إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله تعالى على حين فترة من الرسل وانقطاع من السبل، فهدى به من الضلالة وبصر به من العمى، وجمع به بعد الفرقة وأغنى به بعد العيْلة، فصلوات الله وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار، صلاةً وتسليماً دائمَين إلى يوم الدين، عليه وعلى أصحابه والتابعين الأبرار الأطهار.
أما بعد: أيها المسلمون: إن الله تعالى أنعم على هذه الأمة ببعثة خاتم الرسل؛ فجعلها خاتم الأمم، كما كان نبيها خاتم الرسل -عليه وعليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام- فبعث الله تعالى هذا النبي المختار في أمةٍ كان كل همها، وشغلها تتبع أصول أذناب الإبل في هذه الصحراء القاحلة، وأنها كانت ترابط وراء الضِّبَبَة تأكل وتشرب من ماء هذه الصحراء، ثم لا همَّ لها بعد ذلك أبداً، فصوَّت فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وصاح فيها بنداء (لا إله إلا الله، محمدٌ رسول الله!) فرفعت إليه رءوسها وفتحت له عيونها، وأصغت له آذانها واهتدت بهداه، فكانت بذلك خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله عز وجل وتجاهد في سبيله، فخرجت من هذه الصحراء القاحلة؛ لتقول لأساتذة المدنية وشيوخ الحضارة في فارس والروم: جئناكم لنخرجكم، من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة العيش، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.