Q يناقش الشيخ في قوله إن مقالة "إن اليهود وراء كل جريمة" مقالة مبالغ فيها، فلماذا قال الشيخ: إن هذه الكلمة مبالغ فيها؟
صلى الله عليه وسلم نعم، أقول: كلمة مبالغ فيها، وهذا مبني على رأي أو تصور أن المسلمين اليوم ضحايا تضليل إعلامي من جوانب عديدة، ومن التضليل الإعلامي أننا أصبحنا نضخم دور اليهود، حتى كأنهم إلهٌ على كل الأمور قدير، وهذا خطأ، أو كأنهم اخطبوط يتغلغل في كل مكان، أحياناً نتصورهم بصورة خيالية، أضرب لكم مثلاً: وهذا المثل كلنا ننساق وراءه، يقولون: إن تيودور هيرتزل المسمى بنبي الصهيونية، لما عقد المؤتمر اليهودي الأول في بازل بسويسرا، خرج من المؤتمر، فقال له الصحفيون: ماذا صنعتم في هذا المؤتمر؟ قال: صنعنا في هذا المؤتمر الكثير، ولكنني أُلخص أعمال المؤتمر في كلمة واحدة، في هذا المؤتمر قامت دولة إسرائيل، سوف تشاهدونها بعد خمس سنوات أو بعد خمسين سنة، لكنها ستقوم وفعلاً بعد خمسين سنة من المؤتمر قامت دولة إسرائيل!! إذاً هيرتزل كان يقرأ في الغيب، حين ادعى هذه الدعوة العريضة، كلا! القضية ببساطة في نظري أن اليهود أنفسهم، بعد ما قامت دولة إسرائيل، اختلقوا هذه الحكاية، حتى يُظهروا زعمائهم وعظمائهم بمظهر بطولي خارق، ويجعل الأمم الأخرى ومن يسمونهم بالأمميين مكبلين؛ لأنك حين تشعر أن عدوك قوي ومتمكن ومتغلغل وأنت ضعيف، وليس بيدك أي إمكانية تستسلم له، وهكذا وقع ذاك فتجد المسلمين يتصورون أن اليهود وراء الإعلام العالمي كله، وأن الاقتصاد العالمي كله بيد اليهود، وأن سياسة العالم كلها يديرها اليهود، وأن التعليم في العالم كله في يد اليهود، وهكذا أن العالم كله أصبح يهودياً، وهذا التصور -أقول- مبالغ فيه، فاليهود نجحوا في كثير من المجالات، فقد نجحوا في مجال الاقتصاد، وفي مجال الإعلام، ولعل من نجاح اليهود في مجال الإعلام، أن أغرقوا الساحة بكتب كثيرة، عشرات الكتب، تتحدث عن اليهود ودور اليهود، وقد قرأت بعض هذه الكتب في مقتبل عهدي بالقراءة، فأذكر أنها كانت تعرض صورة هي خيالية أذكر مثلاً كتاب حكومة العالم الخفية، أحجار على رقعة الشطرنج لـ وليام غاي كار، اليهود خلف كل جريمة، المفسدون في الأرض، فعشرات بل مئات الكتب، تبين لك أن اليهود هم خلايا سرية متغلغلة في العالم كله.
وكتاب أحجار على رقعة الشطرنج يقول: إن هناك جمعية داخل الماسونية، اسم هذه الجمعية النورانيون، وهم جمعية سرية داخل جمعية الماسونية ومتغلغلون وفيهم وفيهم إلى آخره، ويصور أن الذين يتخذون القرارات في العالم في أمريكا وروسيا وفرنسا وأنحاء العالم هم اليهود، وأن هناك أربعة أفراد أو أربعين يديرون العالم من اليهود!! وأن التوراة صنعها اليهود!! والأنظمة صنعها اليهود! والمنظمات صنعها اليهود! والعقائد الأرضية أو المذاهب الأرضية صنعها اليهود! هذا التصور مبالغ فيه، من نجاح اليهود في مجال الإعلام، أنهم بثوا حول برتوكولاتهم ومخططاتهم التي تحدثوا عنها، والبروتوكولات المشهورة قد يكون لها أصل، لكن ليس هناك أدلة عملية قطعية على أن البروتوكولات هذه، -فعلاً- من وضع حكماء اليهود، وأنهم يحاربونها ويحرقونها ويتعقبون كل من وراءها، فاليهود وصفهم الله عز وجل في القرآن الكريم، بِأنهم قوم ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله، وأنهم لا قيام لهم إلا بحبل من الله وحبل من الناس، قال تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران:112] فينبغي أن نضعهم في إطارهم الصحيح، صحيح هم الآن أقلية مسيطرة وذات نفوذ في العالم، لها نفوذ اقتصادي، لها نفوذ إعلامي، لها دولة تتحدى الدول المجاورة في تقدمها العلمي والحضاري، أو ما يسمونه بديمقراطيتها وغير ذلك، لكن مع ذلك هم أمة آيلة إلى الزوال، وسيطرتهم إلى الفناء والانهيار، ولا ينبغي أن نتعدى بهم طورهم وقدرهم.
وتعجبني في هذا المجال كلمة جميلة قالها أحد علماء المسلمين.
قال: اليهود لا يصنعون الأحداث لكنهم يستغلونها، وهذه كلمة فعلاً تُحلل لكم كثيراً من المواقع، استغلوا مثلاً الثورة الفرنسية، استغلوا أحداثاً كثيرة، لكن لا يعني أنهم هم صنعوا الثورة بأنفسهم، والكلام في النقطة هذه يطول ولعله يكون له فرصة أخرى، إن شاء الله.