سابعاً: نعم، أعلم -أخي- أنك تكتب التقارير، وأنك ملزم بذلك، لكنك لست ملزماً ولا مأذوناً أن تقرأ نيات الناس، أو تتحدث عما في قلوبهم، وليس يجوز لك أن تقرأ ما وراء الكلمات، أو ما بين السطور، أو الحروف، فهذا لرب العالمين، ومن نازع الله تعالى في ذلك عذبه.
إنما الغيب لله، عالم الغيب، إن الشرع حين وضع حدوداً على محارم الله عز وجل فرض لها أدق الشروط وأعظمها وأوفاها، فهذا حد الزنى -مثلاً- لا يقام إلا بعدما يشهد أربعة شهود على حصول الجريمة، لكن لا يكفي أن يقولوا حصلت الخلوة، بل ولا المداعبة، بل ولا الضم، ولا ولا ولا، حتى يشهدوا بالجريمة تفصيلاً دقيقاً يزيل أي التباس، ليقام الحد بعد ذلك على المجرم.
فأنت حين تكتب أو تدون لماذا تقرأ نيات الناس؟ أو تتكلم عن مقاصدهم؟ أو أهدافهم؟ أو مراداتهم؟ دع هذا لرب العالمين، أما أنا وأنت فبشر ضعاف مهازيل لا نستطيع أن ندرك من ذلك لا الكثير ولا القليل! ثم حين تكتب يا أخي لماذا تبحث عن رضا المسئول، لماذا لا تبحث عن رضا الله عز وجل، ولماذا لا تستنير بالقاعدة النبوية الشريفة العظيمة أنه {من أرضى الناس بسخط الله عز وجل، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أرضى الله تعالى بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس} .
إنك إن أرضيت الناس ولو أسخطت الله عز وجل يوشك أن يعود حامدك ذاماً لك يوماً من الأيام، ربما أخذ مسئولك فكرة معينة عن فلان من جراء كلمة سمعها، أو موقف بلغه، أو ما أشبه ذلك، فأصبح يعجبه أن تفسر أقواله، وأعماله، وتصرفاته، على حسب الفكرة المسبقة المستقرة عنده، ولكن هذه خيانة لنفسك ولمسئولك، اعتداء على ذلك الشخص الذي ظلمته.
إنها جناية على أخيك المسلم تؤاخذ بها، في يوم لا درهم فيه ولا دينار ولا متاع، وإنما هي الحسنات والسيئات، فيؤخذ من حسناتك، فيوضع له، فإن فنيت حسناتك قبل أن يقضى ما عليك أخذ من سيئاته ثم طرحت عليك، ثم طرحت في النار، وحينئذ فأنت من المفلسين كما في الحديث الصحيح عن سيد المرسلين.
وربما يرضى من فوقك أن تنقل له ما يعده هو أخطاء، أو يسميه تجاوزات، وأن تسكت عن الإيجابيات ولكن هذا ليس من العدل في شيء، إن الذي يعلمه الناس أنك ربما أعملت هواجسك وظنونك في فلان، أو فلان، ثم رفعتها لمسئولك، وهي ظن أو تخمين لا يقين، ولكن كم من ظن سوء كاذب أصبح عند من فوقك حقيقة لا تقبل الجدل! واقعاً لا يقبل الشك، ثم بنى عليها قراراً بسجن فلان، ونقل علان، وفصل هذا، وتأديب ذاك، ومحاكمة هؤلاء، وظلم أولئك، فإياك إياك أن تظلم الناس للناس، فإن شر الناس من ظلم الناس للناس.
وإياك إياك أن تظلم نفسك، أنت تتقلب على فراشك، والعشرات من الناس يتقلبون، وقد بللت دموعهم خدودهم، وهم يتوسلون إلى الله العظيم الكريم الذي يسمع السر والنجوى أن ينزل أليم سخطه، وعظيم عذابه على من آذاهم، أو آذى إخوانهم، أو آذى أقاربهم، أو مشايخهم، وهي دعوة مظلوم يرفعها الله عز وجل، فوق الغمام، ثم يقول: {وعزتي وجلالي لأنصرك ولو بعد حين} وفي الحديث المتفق عليه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب} .
أتريد أن تكون التجربة في نفسك أنت، إياك إياك أخي أنت كغيرك أساء إليك فلان جارك، وأخطأ عليك فلان الذي لقيته يوماً من الدهر، وكان يمكن أن تأخذ حقك بالطرق الشرعية المرعية، فما الذي حدا بك إلى استخدام الوشاية، أو الكيد الخفي لهؤلاء، واستغلال موقعك لتوريطهم في أشياء وأمور هم منها براء.
أخي لا يحملنك الاغترار بالمرتبة، أو العلاوة، أو الترقية، أو الجائزة، أو البدن، على أن تقفو ما ليس لك به علم، قال الله عز وجل: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] فسمعك موقوف ومسئول، وبصرك ولسانك، وهاجسك في قلبك، أنت مسئول عن ذلك كله متى أنفذته ومتى أعلنته في {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88-89] .
فإياك أن تجهد في إيقاع الآخرين، فبئس المال مال جاء من أذية الناس، وما عند الله عز وجل من رزق لا ينال بمعصيته، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {أيما جسد نبت من سحت فالنار أولى به} .