ومهمة الجيش في الإسلام هي حماية المجتمع من الأخطار المتمثلة بالغزو الخارجي الذي يهددها من الشمال أو الجنوب، ولعلك يا أخي يا رجل الأمن؛ تشاطرني الرأي أن كثيراً من بلاد الإسلام لم تعد تؤمن بهذه المهمة التي تحدثت عنها إيماناً صحيحاً.
فقد أصبحت مهمة رجل الأمن في كثير من البلاد الإسلامية؛ هي إرهاب المواطن، وملاحقته وتهديده، وإيذاؤه في نفسه أو أهله أو وظيفته أو عمله أو أسرته أو دينه، وأصبحت مهمة الجيش هي التهيؤ للنزول إلى الشوارع لتدعيم مهمة القمع التي يمارسها بعض رجال الأمن في هذا البلد أو ذاك مما تسمعه في الأخبار صباح مساء.
إني سائلك وأنت أخي وأنا أخوك، وما بيني وبينك إن شاء الله تعالى إلا الود والمحبة ما صفت القلوب واتفقت الأرواح ورضينا بالمبدأ الأصل الذي هو الدين الذي ننتمي إليه جميعاً، إني سائلك؛ هل تعلم رجل الجيش في البلاد المجاورة لإسرائيل أنه يتهيأ للمعركة مع اليهود؟! كلا! وكيف يتهيأ للمعركة مع اليهود وجلسات وجولات السلام بينهم تتقدم يوماً فيوماً إلى الأمام!! إنهم يوجهونهم إلى شعوبهم، أو على أحسن الأحوال يوجهونهم أحياناً إلى معركة معروفة الأحداث مع الجيران، فيوماً هنا ويوماً هناك: وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلا أخانا فهم أُسود أشاوس على الضعفاء من بني جلدتهم، أو من بلادهم أو من جيرانهم، ولكنهم حملان وديعة أمام عدوهم الحقيقي الشرس من اليهود أو النصارى.
ثم إني سائلك مرة أخرى: هل تعلم مهمة رجل الأمن في تلك الديار؟! هل تعلم لهم مهمة أخرى غير اصطياد الشباب المتدين وملاحقتهم؟! أما أنا فلا أعلم إلا هذا، فهل يرضيك يا أخي وأنت المسلم الذي تعلم حرمة الدم المسلم، وحرمة العرض وحرمة المال، أن يحدث هذا! أم يسرك وأنت تسمع قول الباري عز وجل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93] .
إن الكثيرين ينسون أن الرجل المسلم المقتول غدراً في الشارع أو في الجامعة أو في المسجد أو في المنزل أنه رجل يجري في عروقه أيضاً دم، وليس ماء، وأنه بشر، له حرمته وليس شيئاً آخر غير البشر، وأن له أطفالاً ينتظرونه عند الباب صباح مساء، متى يأتي أبونا؟ متى يأتي والدنا؟ وأن له أمَّاً تذرف الدموع بعد الدموع على قرة عينها الذي طال انتظاره دون جدوى، فلماذا تنزعج أخي؛ أو ينزعج غيرك من خبر يقول مقتل: ضابط أو شرطي في بلد كذا!! ثم تسر لخبر يقول لك: اقتحام منزل وقتل عشرين من المتطرفين!! لقد اعترفوا بالقتل وقتل عشرين! لقد اعترفوا بالقتل! فيقبل اعترافهم على أنفسهم وهي جريمة منكرة في جميع الشرائع، بل وفي كل القوانين الوضعية، أما دعواهم أن هؤلاء من المتطرفين؛ فهي دعوى يعوزها الدليل، وهؤلاء القتلى لم يمثلوا أمام محكمة! ولم يظهر صوتهم في إذاعة! ولم يرهم الناس عبر شاشة! ولم يكتبوا في جريدة ليتحدثوا برأيهم ويدافعوا عن أنفسهم! فأين الدليل الحقيقي على أن هؤلاء كانوا من المتطرفين؟! لقد جاءت أخبار مؤكدة ووصلت إلي تقول: إن الناس في بعض الدول العربية والإسلامية أصبحوا يعتصمون بالجبال، قرى بأكملها ومدن عن بكرة أبيها أصبحت تعتصم بالجبال! وتترك البيوت والحقول والمزارع والنساء والأطفال! وهي مصممة على الثأر ممن تعدهم الجناة.
فهل أدركت أخي رجل الأمن أي فجوة ضخمة خطيرة حفرها أولئك المغرضون المجرمون بينك وبين أخيك المسلم من وطنك وبلادك، بل ربما من أسرتك ومن قبيلتك، وربما من المدينة أو القرية التي كنت منها؟! لقد خوفوك به، كما خوفوه بك، قالوا لك: لا خطر علينا من اليهود، أو ما يسمى بإسرائيل!! فهي حليفتنا وصديقتنا، وبيننا وبينها أوثق العلاقات، ولا خطر علينا من النصارى فهم أصحابنا وأصدقاؤنا، ولا خطر علينا من مجرمي المخدرات، فإنهم لا يضرون إلا أنفسهم.
قالوا لك: الخطر كل الخطر من المتطرفين، فاقتله ولو كان المتطرف متعلقاً بأستار الكعبة، هكذا قبل أيام طالب رئيس دولة عربية معروفة -الرئيس الليبي- طلب من الطلاب في كل مكان قتل المتطرفين دون محاكمة!! أتدري ما آية التطرف عندهم؟! إن إعفاء اللحية أو حمل السواك، أو التردد على المساجد، كافٍ في الدلالة على أن صاحب هذه الأعمال من المتطرفين؛ فإذا قصر ثوبه أو قام يخطب في المسجد، أو نصح، أو ألف كتاباً، أو ألقى درساً، فحينئذ يكون تطرفه مما لا يقبل النظر ولا الجدل عند هؤلاء.
لقد ملئوا قلبك -أخي رجل الأمن- خوفاً وذعراً، حتى أصبحت إذا رأيت ذا اللحية فكأنما رأيت بعبعاً عنيفاً، أو شيئاً مخيفاً، وبالمقابل خوفوه بك وجعلوك سيفاً مصلتاً على رقبته، فصار ما إن يراك ببزتك وبدلتك؛ حتى يرى الموت الأحمر، ويدري أنه إن لم يقتل يُقتل، وصرت أنت وهو -حينئذ- ضدين لا يجتمعان.
إنه الدم، إنه القصاص، قال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179] والقاتل مقتول ولو بعد حين، وسيقضي القاتل أياً كان، سوف يقضي بقية عمره في قلق لا يهدأ وتوتر لا يسكن، وإن من عقوبة القتل أن يزرع الله في قلب القاتل شقاء لا سعادة معه أبداً.
وإذا أمن عقوبة أهل الأرض، فلا يأمن عقوبة رب السماء، تنتظره من يومه أو من غده، نزيفاً في المخ، أو سرطاناً، أو جلطة، أو حادثاً مرورياً مدمراً، أو أزمة قلبية، أو إيدزاً، أو مأساة مروعة على زوجته أو على أطفاله، {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:13-14] .