ثالثاً: المهمة الأصلية لرجل الأمن: هي حماية المجتمع من الداخل، من جميع المخاطر والجرائم التي تهدد دين المجتمع، وأمن المجتمع، واستقرار المجتمع، فالدين هو الهدف الرئيس في حمايته لأجهزة الأمن، أجهزة الأمن في جميع بلاد الإسلام.
وبناء عليه؛ فإن الاعتداء على الدين هو الجريمة العظمى التي تأخذ (رقم واحد) والتي يجب أن يجعل رجل الأمن من جهده جهداً كبيراً في مقاومتها، وكشف من يعملها أو يمارسها وإيقافه عند حده، وإذا سلم للناس دينهم؛ فقد سلمت لهم دنياهم، فإن الدين خير كله، وكل خير في الدنيا فإن الدين جاء بضمانه وتحقيقه.
نعم.
الأمن بالدين، والاستقرار بالدين، والرفاهية الاقتصادية هي بالدين، وكل خير يطمح إليه الإنسان فإنه لا يمكن أن يأتي حقاً، ودون أي مضاعفات أو أخطاء؛ إلا من خلال الدين والتزام السلوك الشرعي الصحيح.
نعم؛ فقد عاشت جمهوريات الاتحاد السوفيتي زماناً بشيء من الاستقرار؛ لكن ذلك الاستقرار كان بغير دين، وكان من خلال أجهزة الأمن التي تعد عناصرها بالملايين، والتي جندت من كافة الطبقات والنوعيات، وضرب بعضها ببعض، وجعلت مهمتها تدمير الأخلاق، وتدمير الأسر، والمجتمعات، وإزالة كل ألوان النخوة والشهامة والمروءة والرجولة، واستطاعوا أن يحافظوا على الأمن سبعين سنة.
لكن ذلك الأمن الذي حافظوا عليه؛ لم يكن في صالحهم؛ إذ دمر طاقات الشعوب واقتصادها وأخلاقها، وأسرها وقضى على كل مقدراتها، ثم كان المآل أن انفرط حبل الأمن، وتمزقت تلك الدول؛ فأصبحت كما يقال: تفرقت أيادي سبأ.
وتفرقت وأصبحت اليوم تعيش ألواناً من الانهيار الاقتصادي، وأنواعاً من الخلافات والحروب المدمرة داخل تلك الدول بما يعلمه الجميع، وهي على شفا بركان، يوشك أن ينفجر صباحاً أو مساءً.
فأولاً: ذلك الأمن الذي نعموا به سبعين سنة هل كان خيراً؟ كلا، بل إن الحرب التي يعيشونها، والدمار الذي يشهدونه هو في نظر جميع المسلمين بلا استثناء، بل في نظر العالم كله، هو خير من الأمن الذي كانوا يعيشونه من قبل؛ لأن ذلك الأمن لم يكن لحماية الدين، ولا لحماية الأخلاق، ولا لحماية المجتمع؛ ولكنه كان لحماية وحراسة الحزب الشيوعي الحاكم الوحيد في تلك البلاد، هذا أولاً.
وثانياً: إن ذلك الأمن لم يستقر؛ وإنما سرعان ما زال وتهاوى والسبب في ذلك أنه كان أمناً استقر من خلال البطش، والحديد والنار، والستار الرهيب الذي أقاموه على شعوبهم، فتململت هذه الشعوب، بعد طول زمان حتى كان ما كان، واستطاعوا أن يواجهوا تلك القوى العظمى.
إنه لم يغن الشيوعية أنها كانت تملك أكثر من ثلاثمائة ألف رأس نووي، ولم ينفعها أو تنفعها صواريخها العابرة للقارات، ولم يغنها من الله شيء أن يكون جهاز الأمن فيها المعروف بجهاز K.
G.
رضي الله عنه أنه يملك أكثر من ثلاثة ملايين عنصر، مهمتها أن تحسب على الناس أنفاسهم، وخطواتهم، وأقوالهم، وألفاظهم، وعباراتهم، بل ونياتهم ومقاصدهم، فأنت تراهم اليوم وقد صاروا أحدوثة وأمثولة يتسلى الناس بأخبارهم، ويتشمت بهم أعداؤهم.