Q أنا شاب أعيش بين شباب طيبين ولي صديق عنده بعض الانحرافات, كاستماع الغناء, وحلق اللحية ومشاهدة الأفلام, وأنا قد أحببته حباً كثيراً وله تأثير عليّ, وأستحي أن أناصحه فلقد سمعت الغناء منه, وشاهدت التلفاز وفعلت بعض الكبائر من طريقه, فما موقفي من هذا الشاب، مع العلم أني لا أستطيع أن أفارقه مدى الحياة, أفيدوني جزاكم الله خيراً؟
صلى الله عليه وسلم سبحان الله! من ذا الذي يتألى على الله.
في الحديث الذي صححه بعض العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم يؤدبنا وهو المحب لنا, الناصح المشفق علينا، الذي بلغ من حبه لنا ورحمته بنا وعطفه علينا في الدنيا, أنه كان مع أنه بين خير الأصحاب كان يتمنى لقاءنا ورؤيتنا, وفي الآخرة هو بعقر حوضه يذود الناس عنه، ويدعو أمته إليه، فإذا ذيد بعض أمته قال: {يا رب أمتي أمتي} سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المحب المشفق الناصح يقول لنا في هذا الحديث الذي صححه بعض العلماء: {أحبب حبيبك هوناً ما؛ عسى أن يكون بغيضك يوماً ما, وابغض بغيظك هوناً ما؛ عسى أن يكون حبيبك يوماً ما} .
أيها الأخ الذي كتبت هذا السؤال، أحب أن أقول لك: إن معظم من ترى من الناس من حولك الآن وغيرهم, مرت بهم فترة من فترات عمرهم تعلقت فيها قلوبهم بشخص أو بأشخاص تعلقاً شديداً، حتى لا يطيقون فراقهم أو البعد عنهم, ويأنسون بقربهم ويتلذون بمزاحهم وتحسن في عيونهم عيوبهم, ثم مرت الأيام وتفرق الأحباب والأصدقاء وصار الواحد منهم يلقى الآخر في الشارع فيشير إليه بيده في السلام، حتى كأنه لم يعرفه يوماً من الأيام, فرويدك يا أخي بعض حبك لهذا الإنسان أولاً.
ثانياً: هذا السؤال يذكرني بنصيحة ثمينة جداً لأخي السائل ولكل شاب, وهي من بركات كون الإنسان يجعل نفسه في وسط من الناس الطيبين أن يكون تعلقه بواحد منهم, وأنت إذا تعلق قلبك بشخص صالح، كان هذا التعلق مدعاة لأن تستفيد منه علماً وخلقاً وأدباً وصلاحاً, والقلب جعل الله عز وجل فيه عواطف, وكل قلب فيه عواطف, فليس بالضرورة أن هذا الإنسان لا بد أن يتعلق بفلان بن فلان, إنما القلب يكون فارغاً فيتعلق بأي شخص ولذلك يقول الشاعر: أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا أي: لو أن قلب الإنسان تعلق بأمه مثلاً ثم تعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم محبة وإجلالاً وتعظيماً, ثم تعلق بالصالحين، بل وتعلق برجل من الصالحين يوليه محبة خاصة لا يشعر بها تجاه غيره, لم يعد في القلب متسع لحب كل من هب ودب من القريب والبعيد والصالح والطالح, لكن لأن القلب فارغ أصلاً؛ صار مثل الإناء الفارغ يمكن أن يملأ بأي مادة طيبة أو خبيثة.
كما أن السؤال ينبهني بالجانب الآخر إلى مضرة مقارنة السيئين؛ لأن مقارنتك لهم تجعل قلبك على خطر، أن يتعلق بواحد منهم, فيورثك هذا التعلق مشكلة من جنس هذه المشكلة الموجودة في السؤال, بل قد تتطور المشكلة إلى ما هو أشد من ذلك.
أما العلاج فلعله اتضح من خلال هذه اللمسات التي أشرت إليها: على الإنسان أن يجعل نفسه في محيط أناس طيبين، وأن يثق بأنه سيجد من بينهم -قطعاً- من يستحق أن يوجه مشاعره القلبية إليه؛ فيعطيه الحب والود ويحبه حتى لا يصبر عنه, هذه نقطة.
النقطة الثانية: على هذا الإنسان أن يسير محبته لهذا الشخص تسييراً سليماً, فيحرص على أن يرتفع بمستوى صديقه إلى المستوى الذي يعيشه هو, بل إلى ما هو أرفع من ذلك, وإن أمكن أن ينقل صديقه أيضاً إلى جو صالح وبيئة سليمة فهذا يساعده على تحقيق الصلاح في صديقه.
وأختم توجيهي له بما بدأت به أن أقول له: إياك إياك أن يدور في خلدك أن هذه المحبة دائمة مدى الحياة كما زعمت، وكما قيل:" أخبر بقلة ".
وقال المثل الآخر: "عش رجباً ترى عجباً ".