النقطة الثالثة: أن هذه المحبة التي يشعر بها المؤمنون تجاه بعضهم لبعض, لها أثر عظيم جداً في حياة الإنسان وفي آخرته.
ونظراً لهذا الأثر العظيم للمحبة في سلوك الإنسان وحياته وآخرته, فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على محبة الصالحين والقرب منهم, في أحاديث كثيرة جداً, لا يتسع المجال لسردها، ولكنني أذكر نموذجاً منها: ففي الحديث المشهور المتفق عليه، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الذين يظلهم الله في ظله في يوم لا ظل إلا ظله, وذكر منهم قال: {ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه} .
وأحب أن أنبه في هذا الحديث على نقطتين: 1- أن ننتبه! ما هو الأجر الذي وعد الله عز وجل به على لسان رسوله للمتحابين فيه، والأجر هو أن الله عز وجل يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
إذاً -عود على بدء- كما أن المحبة في هذه الدار هي روضة ظليلة، يحتمي بها المسلم في هذا السجن الكبير وهو الدنيا، يحتمي بها من لأواء الحياة وهجيرها في هذه الصحراء, فهي في الآخرة ظل ظليل يستظل به المؤمنون يوم تدنو الشمس من رؤوس الخلائق، ويصل العرق بالناس على قدر أعمالهم, فهذا هو الوعد الذي وعد الله عز وجل به المتحابين فيه.
2- إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {ورجلان تحابا في الله} لا يعني أن هذا الوعد مقصور لرجلين فحسب من الناس كلهم, بل هو وعد لكل رجلين تحابا في الله, وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم مثلاً: {وشاب نشأ في عبادة الله} لا يعني أنه شاب واحد, بل كل شاب نشأ في عبادة الله وطاعته، فهو موعودٌ بأن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله, كما في هذا الحديث.
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يقول الله عز وجل يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي} وهنا تجدون أن الوعد في هذا الحديث منطبق مع الوعد في الحديث الآخر, الذي ذكر أن المتحابين في الله يظلهم الله في ظله.