تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ)

قوله: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:181] وهذه الآية من سورة آل عمران فيها إثبات السمع لله عز وجل: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:181] وهؤلاء هم اليهود كـ فنحاص اليهودي وغيره.

اليهود لما سمعوا قول الله عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} [البقرة:245] قالوا: لعمرك إن رب محمد لفقير إذاً، إذ يستقرضنا ويطلب منا القرض، وهم بهذا قصدوا أمرين:- الأمر الأول: قصدوا النيل من الله جل وعلا، وقصدوا ثانياً: السخرية من الرسول عليه الصلاة والسلام وتكذيب دعوته وأنه يأتي بأشياء لا تقبل ولا تصدق وهي أن الله تعالى يستقرض عباده، وهذا شأن ودأب معروف من اليهود، أنهم ينتهكون المقدسات، ويستهينون بالحرمات، ويسخرون من رب الأرض والسماوات، كما سبق فيما كانوا يقولونه عن الله عز وجل {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:64] لذلك كتب الله عليهم الذل والصَّغار دائماً وأبداً، فلا تكاد ترتفع لهم راية إلا نكست، ولا يكاد يبين لهم أمر إلا اختفى، ولا يكاد يصل إليهم العز إلا قربه الذل، وهذا في الواقع يجعل عندنا -نحن المؤمنين الدعاة إلى الله عز وجل- ثقة كبيرة جداً لا تحد، بأن يوم اليهود آت قريب، اليوم الذي يبيد فيه المسلمون خضراءهم، ويستأصلون شأفتهم؛ لأنهم ما كتب الله لهم العز أبداً، وعلى مدى التاريخ، هم من ذل إلى ذل، والآن هم كما وصفهم الله عز وجل: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} [آل عمران:112] .

فهم الآن قد تمسكوا بحبل من الناس، وربطوا العلاقات الاستراتيجية مع الغرب، حتى أصبح الغرب يصرح بأنه إنما جاء إلى هذه البلاد لحماية أمن الخليج وأمن إسرائيل بكل وقاحة وقلة حياء، وما ذلك إلا لأننا -نحن المسلمين- قد هُنَّا على الله عز وجل فهُنَّا على الناس، وهُنَّا على خلقه، فأصبحنا كما قيل:- ويقضى الأمر حين تغيب تيمٌ ولا يستأمرون وهم شهود ومع ذلك فإن قوماً غدروا وفجروا وسخروا برب العالمين واستهزءوا به، لا يمكن أن يتركهم بحال من الأحوال أبداً! {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:181] هل ترى قوماً يقولون هذا الكلام ينصرون ويسددون ويؤيدون ويتركون؟! أبداً! {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [آل عمران:181-182] فهي كالآية قبلها فيها إثبات صفة السمع لله عز وجل، وهذا على سبيل التهديد.

أما الأول: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} [المجادلة:1] فهو على سبيل التطمين، أما ذاك فهو على سبيل التهديد: أي: أن السمع سيتبعه ما يترتب عليه من عقاب هؤلاء، {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران:182] إذاً: هو سمع وكتابة يتبعها حساب وعذاب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015