قوله: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80] .
نعم! هذا فيما يتعلق بالمشركين وأقوالهم، وزعموا أن الله تعالى لا يسمعهم ولا يعلم ما يقولون، إذا أسروا أو تناجوا فيما بينهم وبين أنفسهم، فقال الله عز وجل: (أَمْ يَحْسَبُونَ) وأم هاهنا بمعنى بل والمعنى: بل يحسبون إذ يتجرءون على الله عز وجل، وعلى المعاصي (أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ) الآية، والسر: هو الشيء الخفي حتى إنه قد يكون للإنسان وحده لا يطلع عليه أحداً أبداً، أما النجوى: فهو شيء خفي بين اثنين أو بين جماعة، كما في قوله عز وجل: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّاً} [يوسف:80] وهم جماعة يناجي بعضهم بعضاً، ويهمس بعضهم إلى بعض، ويتحدثون بصوت خافت لا يسمعه البعيد، فهذه هي النجوى، والسر أخفى منها، والله تعالى يعلم السر والنجوى، ويعلم الله ما هو أخفى من السر أيضاً، {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى} [الزخرف:80] أي: نسمع سرهم ونجواهم وزيادة على ذلك {وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80] .
قوله: {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] وهذا خطاب لموسى عليه السلام وأخيه هارون، فإن الله تعالى لما قالا: {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:45-46] .
فهذا تعليل لعدم الخوف لأن من علم أن الله معه، يسمع قوله وقول عدوه، ويرى مكانه ومكان عدوه وما يصنع به، فإنه يكون عنده اطمئنان، خاصة إذا كان على الحق، وأنه بمرضاة الله عز وجل، فإنه يطمئن ولا يصيبه شيء من الخوف أو الرعب، {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] وفي الآيات كلها إثبات صفة السمع لله جل وعلا، وهي صفة ثابتة في الكتاب والسنة حتى وردت في أكثر من تسعين موضعاً، فنثبتها كما يليق بجلاله وعظمته.