تفسير قوله تعالى: (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا) [القمر:14]

وهذه هي الآية (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا) في قصة نوح عليه السلام وهو أن الله تعالى لما أرسل الطوفان ليغرقهم ويجتاحهم، حمل نوحاً ومن آمن معه من قومه: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40] حملهم على سفينة، ووصف السفينة هاهنا بقوله: {عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} [القمر:13] جمع لوح وهي معروفة (وَدُسُرٍ) جمع دِسار: وهو المسمار، فهي ذات ألواح مربوط بعضها ببعض بالمسامير وهي الدسر، وقد كان نوح -عليه الصلاة والسلام- هو الذي يصنعها كما قال الله عز وجل: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود:38] فهذه السفينة التي حمل الله عليها نوحاً ومن آمن معه من قومه، قال عنها: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:14] فهو كقوله في الآية قبلها: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48] {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:14] أي: بمرأى منا وبصرنا، فهي تجري في البحر بمرأى وبصر من الله عز وجل وهذا ليس المقصود منه فقط الإخبار بأن الله -تعالى- يراها، لا بل المقصود وراء ذلك، كما هو المقصود في الآية قبلها أيضاً إثبات الحفظ والكلاءة والحياطة من الله عز وجل لها، فإن قوله: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:48] يدل على معنى هو، أن الله تعالى يحفظ رسوله وينصره ويكلؤه، وكذلك قوله هاهنا: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:14] أي: بمرأى منا، وهذا يتضمن الحفظ لها والكلاءة والحياطة لها من كل عدو ومن كل آفة، {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} [القمر:14] يعني جزاء لنوح عليه السلام الذي كفره قومه، وأنكروه وحاربوه واستهزءوا به، وكذلك جزاء لقومه الكافرين الذين كذبوا واستنكفوا واستكبروا، فهو جزاء للكافرين، بأن يغرقوا ويروا بأعينهم نجاة المؤمنين ويعرفوا بها، وهي جزاء لنوح عليه السلام ومن معه من المؤمنين إذ يرون بأعينهم نجاتهم، وغرق القوم المكذبين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015