مجيء صفة اليد بالإفراد والتثنية والجمع

وقد جاء في القرآن والسنة ذكرها بلفظ الإفراد والتثنية والجمع، كما في قوله: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:1] وقال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] وقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً} [يس:71] والجمع بين الإفراد والتثنية والجمع وارد أن يقال: إن لله عز وجل يدين حقيقيتين، فقوله باليد لا يعني الإفراد، بل هو كما تقول: رأيت هذا الأمر بعيني، وأنت تقصد بعينيك، وأما على الجمع فهو على أن أقل الجمع اثنان، فلا إشكال وهذا هو الظاهر والله أعلم.

إن لله تعالى يدين كما في قوله هاهنا: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] وقد يطلق الجمع على المثنى أيضاً كما في قوله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم:4] (قُلُوبُكُمَا) هي اثنان، ولم يقل: قلباكما، وإنما قال: (قُلُوبُكُمَا) فهكذا هاهنا: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:64] والآيات والأحاديث الواردة في إثبات اليد لله تعالى كثيرة، حتى إن النصوص تزيد على مائة فيها إثبات صفة اليد لله تعالى، فنثبتها إثباتاً حقيقياً يليق بجلاله وعظمته، دون أن نشبهها بالأيدي المعروفة من أيدي المخلوقات، ودون أن نؤولها كما أولها أهل البدع.

هذا الآيات ساقها المصنف رحمه الله تعالى لبيان عدد آخر من صفات لله عز وجل الثابتة في كتابه تعالى وهي: العين، والسمع، والبصر، وساق في ذلك عدداً من الآيات، وهذا ليس كل ما ورد، ولكن بعض ما ورد، وأهل السنة والجماعة يثبتون لله عز وجل العينين، ويثبتون له الرؤيا والبصر، ويثبتون له السمع على وجه يليق بجلاله، من دون أن يكيفوا ذلك بكيفية مما عهده البشر وعرفوه.

لا يلزم من إثبات العين، أن تكون العيون التي عرفها البشر، من حيث حدقتها ومن حيث مكوناتها، وما أشبه ذلك، فإن هذه هي العيون التي عهدها الناس وعرفوها، فإنهم يثبتون لله العين دون أن يدخلوا في تكييف العين؛ لأنه لا يعلم كيف هو إلا هو سبحانه، فكذلك لا يعلم كيف صفاته إلا هو، ولكنهم يثبتونها كما جاءت في القرآن والسنة، من دون أن يكيفوها ومن دون أن يعطلوها أو يؤولها.

فيصرفوا معناها الظاهر إلى معنى آخر بعيد أو غير متبادر، خلافاً لما يفعله المعطلة وأسلافهم، فإنهم يؤولون هذه الأشياء إلى معانٍ مختلفة، فقد يؤولون السمع والبصر مثلاً بالعلم، وذلك أن العلم هو ثمرة السمع والبصر كما يزعمون، فيؤولونهما بالعلم، والواقع أن العلم صفة ثالثة، غير السمع وغير البصر، وكذلك بعضهم قد يقولون: يسمع بذاته، ويرى بذاته، فينفون عنه العين، وهذا أيضاً غير صحيح، فإن معنى ذلك أن الصفات كلها أصبحت مترادفة تدل على الذات فقط، والواقع أن الصفة تدل على معنيين: تدل على الذات بالالتزام، لأن الصفة دليل على الذات لا شك، ولكن أيضاً تدل على أمر آخر بالمطابقة، وهو المعنى الذي دلت عليه بالمباشرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015