محاجة المبتدعة في إثبات صفة الوجه والرد عليهم

وقد احتج بعض أهل البدع هنا بقولهم: إن هذا دليل على أن الوجه هو الذات، قلنا: كيف؟ قالوا: لأن البقاء هل هو خاص بالوجه أم لذاته- جل وعلا؟

صلى الله عليه وسلم أنه ليس خاصاً بالوجه، بل لذاته سبحانه، قالوا: إذاً هذا دليل على أن الوجه هو الذات {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن:27] أي: يبقى ربك.

هذا كلام من؟ هذا كلام أهل البدع الذين أنكروا صفة الوجه، فيرد عليهم بأمور:- منها: أن يقال إنه ذكر الوجه هاهنا {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن:27] لأن إثبات بقاء الوجه يستلزم إثبات بقاء الذات، فحينئذ يكون المقصود بالوجه بقاء وجهه عز وجل، ويلزم من هذا بقاء ذاته.

الجواب الثاني: أن يقال: حتى على التسليم، بأن مقصود {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن:27] أي: ويبقى ربك.

فإن ذكر الوجه لله تعالى، لم يكن ليسوغ أو ليصلح لو لم يكن ثابتاً له في الأصل تعالى، فإن الإنسان يقبح منه مثلاً أن يقول: وجه الريح، لأن الريح ليس لها وجه، أو وجه الجدار؛ لأن الجدار ليس له وجه، فلما قال سبحانه: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن:27] علم أن الوجه صفة يوصف الله تعالى بها، وتثبت له، فلهذا ذكره في السياق- هذا فضلاً عن أن هناك نصوصاً أخرى لا تقبل مثل هذا التأويل، وذلك كما في أحاديث -النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها الحديث الذي ذكرته: {أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم} وكما في قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: {إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه} فهذا صريح في إثبات الوجه له تعالى.

ثم ذكر قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88] وهي كالآية السابقة، حكم الله تعالى فيها بالهلاك على كل شيء إلا وجهه، ففيها إثبات صفة الوجه له تعالى، وبقاء الوجه يستلزم بقاء الذات كما سبق، وذكر الوجه له حتى لو كان المقصود إلا ذاته، فذكر الوجه لم يكن ليسوغ لو لم يكن الوجه صفة ثابتة له تعالى، وهذه فائدة ينبغي أن تعرف في جميع الصفات، بمعنى أن أهل البدع قد يتمسكون بنص من النصوص، يؤولون الآية فيه على غير ما دلت عليه، فمثلاً يقولون: في قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:1] فإذا قلنا لهم: هذا دليل على إثبات صفة اليد، قالوا: لا، لأن الملك ليس في يده حقيقة، وإنما المعنى: في تصرفه وتدبيره.

فنقول: حتى لو سلمنا جدلاً أن هذا هو المعنى، فإن قوله: {بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:1] لم يكن ليسوغ لولا أن اليد في الأصل ثابتة له، مع أننا نستعين بالنصوص الأخرى الواردة في المقام والسياق نفسه لإثبات ما نفوه، وتحقيق ما أولوه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015