المصائب التي حلت بالمسلمين

Qأقول: ما الواجب الشرعي فيما حل ويحل بالمسلمين من مصائب وعلى رأسها قضية فلسطين؟

صلى الله عليه وسلمالحقيقة - أن المصائب كما يقال:- فكنت إذا أصابتني سهام تكسرت النصال على النصال فلو كان سهماً واحداً لاتقيته لكن سهم وثان وثالث ما يدري الإنسان عما يتحدث وبما يبدأ، لكن قضية الإخوة في فلسطين من القضايا التي طفت على السطح الآن، يومياً تسمع أخباراً، مثلاً: من آخرها مجزرة الخليل، قتلوا في المسجد وهم يصلون، ثم يحاولون أن يقفزوا على هذه القضية ويتجاوزنها كما لو كانت تاريخاً مضى وانتهى، ولو فرضنا أن هذه المجزرة وقعت في حق اليهود -مثلاً-، أو في حق مجموعة من الأمريكان، أو في حق مجموعة من القوات الدولية، في الصومال أو في سراييفو أو في أي مكان آخر من الأرض، كيف سيحدث؟! سوف تتحرك أساطيل وقوى، وتنقلب موازين، وتصدر بيانات حتى البيان الذي أصدروه من المنظمة الدولية، وهو بيان باهت توقفت عدد من الدول الكبرى عند جزء من عبارته وعناصره وفقراته، ورفضت الموافقة عليه، وهو على كل حال لا يقدم ولا يؤخر، كما قال الشاعر:- أثخنونا بالجراح ثم قالوا لا تصيحوا إن في هذا الصياح بعض ما يبغي الجريح نعم! المسلمون يضربون، وحتى البكاء والصياح والأنين محظور عليهم، فالمسلم الذي يتحدث عن قضايا الإسلام، وقضايا أمته، إنما هو مجرد حديث، وشكوى، ومجرد بكاء ونياحة، حتى النياحة أصبحت ممنوعة على المسلمين.

نعم! نحن نعرف أن النياحة التي هي البكاء بصوت، وشق الجيوب وخمش الوجوه والدعاء بدعوى الجاهلية، هذا محرم أصلاً شرعاً، وإنما مقصودي أنه حتى التعبير عن هذه الآلام التي يعاينها المسلمون، وحتى هذا الحق أصبح يستكثر على المسلمين، ولا يراد منهم أن يتحدثوا عن قضاياهم، ولا أن يشتكوا ولا يتباكوا على أوضاعهم المرة، وهذه حقيقة مؤشر على نوع من التردي الذي يراد أن تساق الأمة إليه، لذا قبلت الأمة الهوان والضعة بنفسها، فقضية الإخوة في فلسطين يومياً تسمع، قتلى بالعشرات، بعضهم على يد القوات اليهودية، وبعضهم بأيدي المستوطنين، والبارحة أسمع مستوطناً يقتل سائق شاحنة فلسطيني وهو في سيارته، فقد أصبح الدم المسلم في فلسطين وفي غير فلسطين هو أرخص الدماء على الإطلاق، بل إن كل أحد يجرب حظه مع المسلمين، وهو آمن مطمئن، أن هذه الأمة لا يمكن أن تثأر أو تنتصر، لا، نحن ندرك -فعلاً- أن الأمة والحمد لله، بدأت تعي، وقضية البوسنة من أوضح وأظهر القضايا، تعاطف المسلمون معها بشكل جيد والحمد لله، ولا يزالون من ناحية مادية مالية، ودعوية، وإعلامية، ومن ناحية وجود بعض الضغوط ولو لم تكن بالمستوى المطلوب، لكنه مؤشر، ولذلك تجد أن هناك نوعاً من التحول في السياسة الغربية تجاه قضية البوسنة لا يخفى على المتأمل والمدرك، وهذا التحول هو نوع من الاستجابة للضغوط الإسلامية بالجملة، والضغوط العالمية -أيضاً- وفي الوقت نفسه هو نوع من الالتفاف على القضية بطريقة أخرى، والحيلولة دون قيام دولة إسلامية صرفة في البوسنة، يجعلها دولة فيدرالية أو كونفيدرالية يشترك فيها الكروات، أو حتى الصرب قد يدخلون في هذا التشكيل الجديد، والمقصود من ذلك محاولة ألا تكون دولة إسلامية محضة في قلب أوروبا يهددهم وجودها الإسلامي المتميز.

أما فيما يتعلق في كيفية التعامل مع قضايا المسلمين، فهي كثيرة جداً كما ذكرت: فمن الملاحظ أن الاختلاف بين المسلمين ألقى بظلاله على تعاونه في هذه القضايا؛ لأن المفروض في الأصل أنه إذا أصيب مسلم في الشرق تجاوب مع مصيبته المسلم في الغرب، فالعدو استطاع أن يقيم الحواجز والسدود بين المسلمين، سواء أكانت تلك الحواجز جغرافية أم سياسية، ثم بنى عليها إثارة العداوات والفتن، فهذا خليجي! وهذا شامي! وهذا مغربي! وهذا مصري! وهذا كذا، وهذا كذا، وهذه الأشياء حاول أن يرسخها ويعمقها، ويكون هناك دور للتباعد بين المسلمين بمقتضى هذه المسميات، ووجد نوع من هذا الذي يمكن أن نسميه نوعاً من التحزب أو التعصب للون أو للجنسية أو للشعب أو للبلد الذي ينتمي إليه الإنسان، وعمق ذلك بحيث أصبح الإنسان لا يتعاطف مع قضايا الشعوب الأخرى.

فعلى سبيل المثال: الأكراد، لكن كم لهذا الشعب من بلاء في الإسلام، وكم له من أياد بيضاء في التاريخ، يكفيك صلاح الدين الأيوبي وإخوانه في الدولة الأيوبية، كم لهم من أيادٍ بيضاء على الإسلام والمسلمين، وكم لهم من جهاد عظيم، ومن بعدهم العلماء والدعاة والمصلحون، ومع ذلك تجد أن هذا الشعب يباد، وهناك مؤامرة دولية لإبادته وعدم تمكينه من أي لون من ألوان الاستقلال، ومع ذلك تجد أن المسلمين لا يتعاطفون مع قضايا إخوانهم الأكراد، ثم تجد أن الكفار الذين يحرضون المسلمين ظاهراً أو باطناً على القضاء على الأكراد، وعدم تمكينهم من حقوقهم المشروعة، ومن جهة أخرى تجد أن الكفار قد يستقبلون هؤلاء ويعطونهم بعض الفرص، ونتيجة لذلك ربما تجد أن الهدف من ذلك هو تحسين صورة الكافر، وإغراء المسلمين بالإعجاب بهم، في مقابل بغضهم لإخوانهم المسلمين من الجنسيات الأخرى، أو الشعوب الأخرى، بسبب أنه يرى أنهم خذلوه أو تخلوا عنه أو حاربوه أو هم سر بلائه، مع أن هؤلاء هم الذين حاربوه -في الواقع وإنما هم يؤدون دوراً مرسوماً، وربما أوحت إليهم الدوائر الأجنبية، أن يؤدوه ويقوموا به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015