يا أخي! هل تستطيع أن تذكر الموت وأنت تغني وأنت تشاهد الأفلام وأنت تتابع المسلسلات والتمثيليات؟ هل تستطيع المرأة أن تذكر الموت واهتماماتها محصورة في الموضات والتسريحات، والوجبات والأكلات، وطبق اليوم؟ ليس عندها وقت أصلاً.
بعض النساء تمضي عليها ساعة أو ساعتان وهي أمام المرآة، ولهذا يشكو بعض الأزواج يقول: إذا قلت للمرأة: سوف نخرج لا بد أن أبلغها قبل ساعتين، وهي تلف وتدور مكانها، إلى أن تتصبغ وتتلمع وتقف وتقوم وتطلع وتنزل ساعتين من عمرها من أجل أنها سوف تخرج، لماذا هذا التزين؟ المفروض أن هذا التزين للزوج، لكنها إذا رجعت إلى البيت وضعت زينتها وغسلت وجهها، وأصبحت كأنها جنية ودخلت على زوجها، جميع وسائل الزينة للشارع، الصدر والهضاب المحشوة بالقطن في الشارع، والكعب الذي يجعلها مثل الغزال للشارع، والحمرة للشارع، والكحل للشارع، والأظافر المحرمة للشارع، فإذا دخلت البيت وضعت الكعب ورجعت على قامتها تلك، وأبعدت الحمالات رجعت على صدرها ذلك، وأبعدت الكحل ورجعت على وضعها، ما هذا؟! الزينة ما هي إلا للزوج ليست للشارع، جمال الشوارع هذا حرام، زينة المرأة ممنوعة إذا خرجت إلى الشارع، وإذا مشت متطيبة وشم الرجال ريحها فهي زانية، لكن إنا لله وإنا إليه راجعون!! متى تذكر الموت وهذا وضعها؟ ومتى يذكر الموت من اهتماماته ومداركه ومعارفه ومعلوماته كلها معلومات الممثلين؟ يعرف أسماء الممثلين كلهم وكذلك الممثلات، يرى امرأة يقول: هذه فلانة، وهذا فلان، ويعرف أسماء اللاعبين كلهم، ويعرف أسماء المغنين كلهم، ولو سألته عن صحابي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عرفه، ولو سألته عن آية من كلام الله ما عرفها، ولو عرضت عليه حديثاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عرفه، هذا هل يذكر الموت؟!! لو حاسبت نفسك -يا أخي في الله- على الذنوب لكانت بعدد الرمل والتراب، ومع ذلك نحسن الظن بالله ونحن نسيء العمل، إن حسن الظن الشرعي يقتضي حسن العمل، وإن من يسيء العمل إنما يسيء الظن بالرب، ويتهم الله بأنه لا يعرف كيف يجازي خلقه.
اسمع أخي إلى حكاية أبي بكر الكناني يقول: كان هناك رجل يحاسب نفسه، فحسب سنينه فوجدها ستين سنة، وحسب أيامه -ضرب ستين سنة في ثلاثمائة وستين يوماً- فوجدها واحداً وعشرين ألفاً وستمائة يوم، فصرخ وخرَّ مغشياً عليه، ولما أفاق قال: يا ويلاه! أنا آتي ربي بواحد وعشرين ألفاً وخمسمائة ذنب إذا كنت أرتكب في كل يوم ذنباً! فيا أخي: من الذي منا يذنب في اليوم الواحد ذنباً؟ إنه ولي من أولياء الله، ولكنها مئات بل آلاف الذنوب، فكيف إذا أذنبت ذنباً، يعني: في الشهر ثلاثين ذنباً، وفي السنة ثلاثمائة وستين، وفي العشر السنوات ثلاثة آلاف وستمائة، وفي عشرين سنة سبعة آلاف ومائتين وهكذا، إذا كان في كل يوم ذنباً، فكيف إذا كان كل يوم مائة ذنب أو مائتين أو ثلاثمائة بل بعضهم من حين يصبح حتى يمسي ما يطيع الله لحظة، كل حياته ذنب في ذنب: من عينه من أذنه من لسانه من يده من رجله من كل شيء، يشتغل في المعاصي مائة بالمائة، ولا تكتب له حتى حسنة واحدة، أما السيئات فهي ليل نهار، بل بعضهم يعصي الله وهو نائم! شخص من الناس يغني وهو نائم؛ لأنه كان يغني وهو مستيقظ.
فلماذا يا أخي ترضى لنفسك أن تكون عاصياً وأن تأتي يوم القيامة وأنت تحمل على ظهرك هذه الأوزار؟ يقول الله: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [الأنعام:31] {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:89 - 90].
أخي في الله! استيقظ من غفلتك، وعد إلى ربك، واذكر الموت؛ وهادم اللذات، ومفرق الجماعات، وميتم البنين والبنات، اذكر مبكي العيون ومغير الجفون، اذكر قاطع الأماني والأحلام، تفكر يا مغرور في الموت وسكرته وشدته ومرارته، تذكر يوم موتك وانتقالك من سكنك على ظهر الأرض إلى سكنك في بطنها.
كان صلى الله عليه وسلم يقول: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات) والحديث صحيح، رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه.
لأن الذي يكثر من ذكر الموت يكرمه الله بثلاثة أشياء: أولاً: تعجيل التوبة.
فأنت ما دمت تكثر من ذكر الموت فلماذا تستمر في المعاصي.
ثانياً: القناعة، ما دمت سوف تموت تقنع بالذي معك، لكن الذي ينسى الموت لا يقنع مثل شارب البحر كلما زاد شربه منه زاد عطشه.
أما الذي يكثر من ذكر الموت يقول: لا، تكفي هذه؛ لأنه يعلم أن الموت قريب.
ثالثاً: النشاط في العبادة، الذي يكثر ذكر الموت يعجل التوبة، ويقنع بالذي عنده، وينشط في العبادة، بدلاً من أن ينشط في الدنيا ينشط في العمل الصالح، يزيد من الذكر من القراءة من الصلاة من قيام الليل من الصيام، لماذا؟ لأنه يكثر ذكر الموت، يقول: سوف أموت، قد لا أستطيع أن أصلي، وقد لا تأتيني فرصة أخرى.
أما الذي ينسى الموت فيعاقب بثلاثة أشياء: أولاً: تأخير التوبة، وهذه مصيبة أن تؤخر التوبة فقد يأتيك الموت وأنت لم تتب.
ثانياً: الطمع والحرص والجشع وانفتاح القلب على الدنيا.
ثالثاً: الكسل في العبادة، فعند الصلاة تجده كسلان، وتجده يدفع إليها دفعاً الذكر لا يريده القرآن لا يريده، وإذا كسلت عن العبادة ضيعت أرباحك في الآخرة ولم يعد معك شيء؛ لأنه ليس في الآخرة إلا العبادة فليس هناك أموال، فأنت الآن تعمل في الدنيا وعندك أموال لكن إذا مت فلن يضعوا في قبرك أي ريال، بل يوضع معك العمل، وليس معك شيء من العمل.