أيها الإخوة في الله: لقد أخذت الأرض زخرفها وازينت، وظن أهلها أنهم قادرون عليها، وانصرف معظم الناس عن دينهم إليها، وانقاد السواد الأعظم لغرورها، وافتتنوا بحضارتها الجوفاء في الشرق والغرب، وخُدع بعض المسلمين بلمعان وبريق هذه الحضارة الزائفة، وقام أعداء الله بشن حملاتهم وحروبهم ضد الإسلام، فحملوا على الدين بخيلهم ورجلهم، وطعنوا فيه بسهامهم وسمومهم، وتعرفوا على مواطن القوة ومراكزها فاجتهدوا في إضعافها وتوهينها، وعلموا بعد ممارسة وخبرة أن المرأة من أعظم أسباب القوة في المجتمع المسلم، وأنها سلاحٌ ذو حدين، وأن لديها القابلية لأن تكون أعظم وسيلة للبناء أو أخطر وسيلة للهدم والتدمير؛ لأنها تملك مواهب ضخمة، فهي جديرة بأن تبني أو أن تهدم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الصحيح في مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الدنيا حلوة خَضِرَة) حلوة المذاق وخَضِرَة اللون، ودائماً الأخضر الذي له طعم كل إنسان يحبه (حلوة) في طعمها (خضرة) في لونها (وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون) أنتم تحت النظر الإلهي، لا يغيب عن الله من أمركم شيئاً (ألا فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) رواه مسلم.
وفي البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنةً أضر على الرجال من النساء) وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول أحد السلف: [والله لو أمنتموني على ملء الأرض ذهباً لوجدتموني أميناً، ووالله لا آمن نفسي على أمة سوداء أعلمها القرآن] لِمَ؟ لأن قضية المرأة تصادف غريزة في النفس، الله عز وجل ركب في الإنسان ميلاً إلى المرأة من أجل بقاء الجنس البشري، إذ لو أن الرجل لا يميل إلى المرأة وهي لا تميل إلى الرجل لبقي الرجل في جانب وبقيت المرأة في جانب، وانقرض الجنس البشري، وخلت الحياة من الناس، وتعطلت الوظيفة التي من أجلها خلق الله الأرض وهي: العبادة، فجعل الله مَيلاً عند الرجل، ومَيلاً عند المرأة، ونظَّم هذا الميل ليلتقيا في نقطة شريفة اسمها "الزواج" نقطة مسئولية، لكن عمل أعداء الإسلام على أن يلتقي الرجل بالمرأة في غير النقاط الشريفة في نقاط الضلال، فتدمرت الأخلاق والعياذ بالله! لقد كان للمرأة في بناء الأمة المسلمة دورٌ رائع؛ لما انتفعت الأمة بالحد النافع من سلاح المرأة في القرون المفضلة، حيث كانت نسيبة بنت كعب مجاهدة، وكانت عائشة رضي الله عنها معلمة، روت آلاف الأحاديث، وكانت أي: المرأة مربية، وقانتة، وعابدة، وصائمة، وقائمة؛ ومربية وداعية تصنع الرجال وتخرج الأبطال.
ثم لم يلبث الحال أن تدهورت شيئاً فشيئاً، وجُرحت الأمة من الحد المهلك -من سلاح المرأة- حين سارت في الطريق الذي رسمه أعداء الإسلام لها، لتعطيل المرأة عن وظيفتها الأساسية، والزج بها إلى مواطن الفتنة، وتدمير الأخلاق تحت الشعارات البراقة: كالتحرير، والتجديد، والتقدم، والمساواة حتى قال أحد أقطاب الكفار والمستعمرين: "كأس خمرٍ وغانية -يعني: زانية- تفعلان في تحطيم الأمة المسلمة أكثر مما يفعله ألف مدفع".
المدفع إذا حمل وقابلته القلوب القوية والإيمان القوي يُدمَّر؛ لأن الله مع المؤمنين، لكن إذا جاءت تلك القوى وقد دمرت القلوب من الداخل، ونسفت العقائد، ودهورت الأخلاق.
هنا يسهل القضاء على الأمة المسلمة! لقد عز على أعداء الإسلام أن تجود المرأة المسلمة على أمتها -كما جادت من قبل- بالأبطال والعلماء والمجاهدين، فاجتهدوا ليجعلوها عقيماً لا تلد مثلَ عمر، ولا خالد، ولا صلاح الدين، ولا عائشة ولا سمية، اجتهدوا حتى لا تلد إلا الحيات والعقارب والحشرات من المغنيين والمغنيات، والتافهين والتافهات، المنسلخين عن القيم والمبادئ والمنسلخات، أصبحت لا تلد إلا كذاباً، ولعاناً، وسباباً، وشتاماً؛ لأنها كذابة، وسبابة، ولعانة، وشتامة أصبحت لا تلد إلا تاركاً للصلاة؛ لأنها لا تصلي، ولا تلد إلا قاطعاً للرحم؛ لأنها لا تصل رحمها أصبحت لا تلد إلا هاجراً للقرآن؛ لأنها لا تعرف القرآن أصبحت لا تلد إلا سارقاً؛ لأنها سارقة، ولا تلد إلا زانياً؛ لأنها عاهرة منحرفة والعياذ بالله ففاقد الشيء لا يعطيه! وأخرجوها من عرشها الذي تربعت عليه ردحاً من الزمن داخل مصنع رهبان الليل وفرسان النهار، لقد كانت تهز المهد بيمينها، ولكنها تزلزل عروش الكفر بيقينها؛ لأنها أم المجاهدين، وبنت المجاهدين، وأخت المجاهدين، وزوجة المجاهدين، بصماتها واضحة في حركات المجاهدين.
الخنساء يخرج أربعة من أبنائها ويموتون في سبيل الله، ثم لما يعودون في آخر النهار يأتيها الخبر بأنهم قد استشهدوا كلهم في سبيل الله فتقول: [الحمد لله الذي شرفني بقتلهم في سبيل الله].